«على المدى الطويل، رأس المال البشري هو القاعدة الرئيسية للتنافس، إن المؤشر الأهم لما ستكون عليه بعد 20 سنة من الآن سيكون مدى جودة ما تفعله في نظامك التعليمي» بيل غيتس.
رغم خيبة الأمل بمشاركة المنتخب السعودي في كأس العالم، لكن هناك دروس مهمة من الجدير أن تفهم، وتؤخذ العبر منها ليس على نطاق المنتخب والرياضة، ولكن على جميع الأصعدة. من المرات القليلة التي نرى تشخيصا شفافا لعلة المنتخبات العربية في كأس العالم، فرغم أن الجميع تقريبا يتفق أنه لم يتم دعم منتخب سعودي تاريخيا كما دعم المنتخب الحالي، دعم من جميع النواحي أو كما يقال طبق على المنتخب «كل ما ينصح به الكتاب»، دعم مادي ومعنوي وإعلامي ونفسي، وطبقت كل الخطط الإدارية العالمية، لكن النتيجة كانت صادمة، والسبب شرحه سعادة المستشار تركي آل الشيخ بكل شفافية أن إمكانات اللاعبين قاصرة ومحدودة، وهذه حقيقة سواء شئنا أم أبينا، فلقد تم تفخيم ونفخ إمكانات وقيمة اللاعبين السعوديين إلى درجة مهولة في الفترات السابقة، ووصلت الأسعار إلى عشرات الملايين للاعبين مستواهم عادي أو أقل. وهذا يرجعنا إلى حقيقية علمية تقول: في كل المجالات، سواء الرياضية أو الاقتصادية أو السياسية، فإن رأس المال الأهم هو (البشر وعلمهم ومهاراتهم)، يقول الفريد مارشال «إن رأس المال الأكثر قيمة من كل رؤوس الأموال هو الاستثمار في الإنسان»، نأمل أن ينجح المستشار في مسعاه في الاستثمار في الجيل الجديد.
هذا يأخذنا إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي تطبيق الرؤية على بقية القطاعات، إن محاولة تقييم رؤية 2030 على الوزارات وبقية قطاعات الدولة أصعب من المنتخب والرياضة، مع أن الحال إلى حد ما متشابه، فكلاهما، أي الوزارات والمنتخب،
تم دعمه بكل أنواع الدعم، وتم تطبيق أفضل الخطط والسياسات العالمية للوصول للنتائج المأمولة، ربما المنتخب هناك كأس عالم وبطولات لمعرفة نتائج الدعم ومدى التطور، وأيضا عمر اللاعبين نسبيا قصير في الملاعب 10-15 عاما، لكن في الوزارات لا توجد بطولات واختبارات لتقييم أداء الوزارات، وأيضا أعمار العاملين قد تستمر في الوزارة إلى عدة عقود رغم محدودية المهارات، ولا أحد يذكرنا بقياس مؤشرات الأداء لأن البعض قد يتأقلم مع مؤشرات الأداء بطريقة أو بأخرى دون أن يكون هناك إبداع أو تطور أو ابتكار وتقدم. الأمل ألا تكون نتيجة الوزارات بعد الدعم مثل نتيجة المنتخب، وهذا ما يجب أن نتلافاه من الآن وحتى قبل 2020.
لما لا يكون لدينا نفس الشفافية التي في المنتخب في الوزارات، ونقول إن كثيرا من المسؤولين لدينا إمكاناتهم محدودة، لذلك مهما تشدقوا بأفكار الرؤية ومهما حصلوا عليه من دعم وأفكار وخطط عالمية فإنهم ليسوا قادرين على التطبيق أو الوصول للنتائج، دعوني أعطي رقما من تجربة شبه شخصية، لا يمكن تعميمها، لكن كثيرا من الناس مروا بنفس التجربة، إن حوالي 70% من المسؤولين الذين نقابلهم يكون فكرهم ومؤهلاتهم أقل بكثير من منصبهم ومكاناتهم، وتكون رؤية 2030 في وادٍ وهم في وادٍ آخر، حتى لو وضعوا الشعار على مكاتبهم، لا شيء يثير الغضب كما أن ترى مسؤولا تصرفاته وانغلاقه وفكره معاكس للرؤية، وهذا يغضبنا كثيرا لأن الرؤية هي الحلم بالنسبة للسعوديين، بل هي أهم الأحلام، لذلك نحاول أن نحافظ عليها وعلى أفكارها بشتى الطرق، ويستفزنا كثيرا من يعاكسها حتى لو كان عن جهل، وهو لا يعلم بسبب محدودية فكره ومؤهلاته، وقد تستغرب وأنت تناقش مسؤولا ولا تجد أي معرفة أو فائدة.
طريقة اختيار المسؤول كيف تكون؟ هل الأهمية للعلاقات والأصدقاء والوجوه المألوفة والتوصيات، وكلّم واتصل بفلان وفلان محسوب علينا! أم هناك بحث دؤوب وعملية صيد عقول محترفة وتجديد للدماء، إن الاستثمار في رأس المال البشري يحتم تقديم الكفاءة على المعرفة والولاء. هناك مقولة شهيرة «في نهاية المطاف كل الأعمال يمكن اختصارها في ثلاث كلمات، الناس والإنتاج والأرباح ما لم يكن لديك فريق عمل جيدا، فإنك لن تستطيع أن تفعل الاثنين الآخرين».
موضوع الكفاءات واصطياد العقول المبدعة ليس موضوع وزارة أو منتخب، بل موضوع مستقبل بلد، وأمن وطني، بعض الدول كما الاتحاد السوفيتي سابقا كثير من المحللين يعتقدون أن أحد أسباب انهياره قلة الكفاءات وضعف كفاءة التعيينات، يقول نورمان رالف أوغستين وكيل وزارة الجيش الأميركي: «فقط من خلال توفير رأسمال بشري رائد والمعرفة فإن أميركا تستطيع الاستمرار في توفير مستوى اجتماعي عال بما فيه من أمن قومي لمواطنيها».
أتمنى رؤية إعادة هيكلية في عملية التعيينات والمناصب في البلد، لأنها العائق الأكبر حاليا للوصول للنتائج. واختيار الأكفأ وأيضا أعداد جديدة من المؤهلين، فخططنا وإمكاناتنا ودعم القيادة السياسية العليا هو الأفضل حاليا، فقط نحتاج آلية أوضح للاختيار وإزالة العقليات القديمة البيروقراطية. هل يتلاءم أكبر وأفضل تتغير في الشرق الأوسط في العصر الحديث والسعودية الجديدة مع أداء بعض مجلس الشورى أو جامعاتنا أو بعض وزارتنا أو سفارتنا؟ بالتأكيد لأن الطموح أكبر وأكثر، كما قال ولي العهد «عنان السماء هو الحد الأقصى لطموحاتنا»، ونحن متفائلون مع إزالة هذه العوائق أن نصل للسماء، ولذلك نأمل أن نرى تجديد الفريق في المسير على الطريق، والوصول للسماء ومجد السعودية الجديدة.