يتسبب الغذاء في انتشار الكثير من الأمراض الشائعة لدينا، سواء من تلك الأمراض البسيطة التي قد يتضاعف تأثيرها، أو الخطيرة التي تحصد أرواح الكثير من أهلنا في مجتمعنا الوطني ما بين اليوم والآخر، وذلك يدعونا إلى التساؤل عن طبيعة وماهية الدور المنوط بالجهات الرسمية المسؤولة عن متابعة سلامة الغذاء؟! وما نوع وحدود ومستوى المسؤولية المكلفة بها، وهل هناك تنسيق للجهود وتعاون مشترك في الإجراءات والسياسات بينها لضبط سلامة الغذاء الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من سلامة المواطن؟!
يعترف مواطن سعودي يعمل بمجال توريد الأغذية لعدد كبير من المطاعم، بأن هناك اختلالات كبيرة وغموضا عميقا يحيط بمنظومة المطاعم الغذائية، والتي يتعلق بعضها بالجانب الصحي والإداري، في حين يتصل الآخر بالهيكل المؤسسي والتجاري، والذي يؤكد في مضمونه أن المطاعم بمجملها تكاد أن تكون بمنأى عن الرقيب الإداري والتجاري والصحي الفعلي، إلى جانب ما يتصل بذلك من مخالفات لنظام العمل والعمال، وما يتعلق به من تشريعات وقيود تنظيمية لسوق العمل ومكوناته في موارده البشرية والمادية.
تشير تغريدات المواطن المنشورة إلى جانب ما يتم تداوله عن تلك المواضيع ذات الصلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن هناك ممارسات شائعة للغش في المواد الغذائية المستخدمة في طهي الطعام، والتي قد تكون منتهية تاريخ الصلاحية،
أو تحتوي على قدر كبير من نسب الغذاء غير الصحي، ويضاف إليها المبالغة الشديدة في أسعار الوجبات الغذائية التي تباع في المطاعم المختلفة مقارنة بتكلفتها الفعلية ومستوى جودتها، هذا إلى جانب الخلل النظامي والمخالفة القائمة في تلك المطاعم والمعتمدة على نظام التستر بشكل كبير، والذي يجعل المواطن فيها مجرد الواجهة الشكلية للمنشأة، في حين تصب جُل أرباح المطاعم في جيوب غير المواطنين باستثناء النذر اليسير من الأرباح الذي يحدد غالبه بمبلغ أو نسبة بسيطة، يدفعه غير المواطن للمواطن ليستأثر هو بالربح المتبقي، وعلى الرغم من أن ذلك المفهوم يسري في كثير من المحلات التجارية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة المختلفة القائمة في سوق العمل، وليس على مستوى المطاعم فحسب، ولكن حساسية وأهمية موضوع الغذاء وما يتعلق به من إشكالات صحية ووطنية، يتطلب تسليط الضوء عليه، للوقوف على حجم المشكلة وتداعياتها الصحية من جهة، وما تسهم به في التسبب في إخفاق الكثير من البرامج والسياسات الموجهة نحو التوطين، والحد من الوظائف المتاحة للمواطنين، والذي يؤثر بدوره تأثيرا مباشرا في ارتفاع نسبة البطالة من جهة أخرى.
يشير المواطن الذي يعمل في توريد المواد الغذائية للمطاعم، بأنه لا توجد إطلاقا لحوم طازجة في محلات المشويات على الإطلاق، وإن تعليق الذبائح إنما هو جزء من الديكور الشكلي، ويضيف: إنك ستكتشف ذلك عندما تفتح الثلاجات لتجدها جميعها أغنام مبردة ومجمدة، وإنها جميعها (المطاعم) تعتمد خلط لحم البقر مع لحم الغنم بنسبة 40%، وترتفع نسبة الدهون للكباب إلى 40% من مكونات طبخه و60% لحم مخلوط، وتتصدر اللحوم الأسترالية المبردة أو المجمدة 70% من مصادر اللحم والكبدة، بينما يستخدم 29% اللحوم الطازجة الكبيرة السن، وذلك بعد خلطها بنسبة كبيرة من الدهون والشحوم المجمدة، ويذكر أن أغلب الأجبان واللحوم والزيوت المستخدمة تكون مقاربة لنهاية صلاحيتها، ويشمل ذلك أغلب الخضار وفواكه العصير، بل وينوه إلى أن هناك الكثير من المطاعم التي لا تتورع عن استخدام تلك الأغذية وهي منتهية الصلاحية، وتستخدم في ذلك وسائل مختلفة للتمويه، كبرش الأجبان فلا يتمكن الموظف الرسمي المسؤول (البلدية) من كشف صلاحيتها الفعلية، كما لا يتورع الكثير منها عن القيام بتدوير المتبقي من الطعام المحلي لوجبات أخرى، دون الأخذ في الاعتبار بأن هناك مرضى بالإيدز والكبد، وغيرها من الأمراض الوبائية، والذي يشكل ذلك بيئة خصبة لانتشارها.
أما الأسعار المبالغة للوجبات والتي لا تتناسب مع جودة المنتج ونوعية مكوناته وتكلفته الكلية، فتلك قضية أخرى، إذ يتضاعف الربح فيها إلى خمسة أضعاف ونصف الضعف من التكلفة الكلية، بما فيها تكلفة العمال والإيجار والمواد وغيره، ويذكر «المواطن»، نموذج «الشاورما» التي لا تتعدى تكلفتها ريالا واحدا، بينما تباع في المتوسط ما بين 4-6 ريالات.
وتتضخم النتائج الكارثية عندما تصطدم بنظام العمل السائد في تجارة الغذاء وبيعه ومطاعمه ومشغليه الفعليين، والذي تستأثر به مافيا من غير المواطنين، يحرص كل منهم على توفير فريق عمل من جنسيته ليعمل الجميع في منظومة يخدم بعضها بعضا، لتمرير كل ما هو مخالف لنظام العمل وجودة المنتج، بل ويُحارب كل مواطن يحاول الدخول إلى ذلك المجال بمختلف الوسائل التي تمرسوا هم في تنفيذها، والتي تمثل شبكة من الفساد المختلف في أطره القانونية ومحتواه العملي، بحيث يُفتقد المواطن في جميع الإجراءات التنفيذية والإدارية مثل (مديري المطاعم ومديري المشتريات ومندوبي المبيعات)، وهؤلاء يمثلون الطبقة الغنية من العمالة الوافدة بالسعودية، أما إن وجد المواطن فهو شكلي، ولا يعلم شيئا أو يتعامى عن خلفيات العمليات وما يجري خلف الكواليس من اتفاقيات فاسدة وعمولات منظمة، وغير ذلك من الإجراءات التي تحول دون جودة المنتج وصلاحيته من جهة، وتسهم في ارتفاع نسبة العمالة الوافدة المنتقاة على حساب التوطين في تلك القطاعات وغيرها.
وإن جميع ما تم توضيحه أعلاه كنماذج بسيطة وممارسات مشينة لما يجري في الكثير من مطاعمنا والسوق الغذائي، ليفرض علينا كمواطنين، ليس التساؤل فقط عن مدى إدراك الجهات المسؤولة عما يجري حولها، وما مدى علمها بجميع ذلك؟!، أم أنها مغيبة نتيجة لأسباب مختلفة يصعب حصرها في تلك المساحة؟!؛ وإنما المطالبة والدعوة لتعاون الجهات الرسمية المعنية بالمتابعة والمراقبة لجميع ما يتعلق بمنظومة الغذاء وتسويقه وموارده البشرية، فالأمر لا يقتصر على البلديات ووزارة التجارة وحدهما، وإنما هيئة الغذاء والدواء مسؤولة، ووزارة الصحة معنية كمراقبة، ووزارة العمل مكلفة بمتابعة واقع الموارد البشرية ومدى تنفيذها لبرامج التوطين وما يتطلبه ذلك من تحديث وتطوير لنظام العمل والعمال، بما يخدم تحقيق برامجها المطروحة، ويسهم في بلورة إستراتيجياتنا الوطنية إلى واقع نعيشه من جودة الحياة والتحول الوطني الشامل لجميع مقدراتنا الوطنية، كما هو مخطط له ومرتقب تحقيقه.