• «لأن فرنسا تحارب الإسلام، فهي ترفض وجود النقاب في الدوائر الرسمية»
• «هيئة الترفيه تدعو للخلاعة وتجاهر بالمعصية بإعلانها عن إقامة حفلات غنائية»
• «فاطمة تستعمل الميكروويف، وهذا ما سبب إصابتها بالسرطان»
العبارات السابقة أعلاه أمثلة لعبارات كثيرة قد تصدم المتلقي عبر رسائل واتساب أو أي وسيلة تواصل اجتماعي، أو على لسان أحدهم، وقد يعتبرها البعض أدلة دامغة لما ظهر في تركيبتها من علاقات سببية يرونها صادقة مباشرة.
قد يعتبر البعض هذه التركيبة اللغوية أدلة دامغة، وذلك ليس بسبب قوتها المنطقية، لكن الحقيقة أن تلك القناعة كانت بسبب أفكار مسبقة «قد تكون صحيحة أو غير صحيحة» ترسخت في أذهانهم، فتقبلوا كل نتيجة تالية أنها دلالة تؤكد عليها، «انحياز ذهني».
العبارات السابقة في حقيقتها تحمل ما يسمى «مغالطات منطقية»، أي «الأنماط من الحجج الباطلة التي تأخذ مظهر الحجج الصحيحة».
فمثلا بالنسبة للعبارات أعلاه:
• منع النقاب في الدوائر الرسمية ليس مقصورا على دولة فرنسا فقط، بل هناك دول كثيرة تمنعه، ومنها دول إسلامية، وذلك لدواعٍ أمنية، وضرورة معرفة هوية الشخص، خاصة بعد انتشار العمليات الإرهابية!
وقد يرى البعض أن النقاب فرض، لكن هذا البعض قلة، وليس الكل، بحال من الأحوال! لم يكن النقاب يوما رمزا لدين
عظيم هو الإسلام! ليقال إن منعه هو حرب على الإسلام! فما زالت المآذن تنادي للصلوات فيها ومساجدها تقيم الصلاة نهارا جهارا، وما زالت المسلمات هناك يرتدين الحجاب -دون نقاب- من أرادت منهن دون منع!
• والغناء أمر مختلف فيه، وليس بالضرورة أبدا أنه دعوة للخلاعة والميوعة! فالنبي -عليه صلوات ربي وسلامه- قد سمع شعر الغزل في مسجده، ولم يقل أحد إن ذلك تشريع للخلاعة!
وابن حزم والشوكاني وغيرهما من كبار علماء الأمة كانوا يرون جواز الغناء، جواز غناء شعر الحب والغزل مصحوبا بالآلات الموسيقية وإقامة الاحتفالات بمصاحبته! بل وألفوا في ذلك رسائل وكتبا ليس فقط تبين جوازه، بل وتشنع كثيرا على من حرمه، فالقول إن إقامة الحفلات الغنائية دعوة للخلاعة ومجاهرة بالمعصية هو قول منحاز ومدلس، ويخفي جزءا مهما من الحقيقة ليبني نتيجة مغلوطة على جزء غير متفق عليه، هو يحمل مغالطة لا يخفى باطنها المشبوه!
• كذلك ادعاء أن استعمال الميكروويف سبب حتمي للإصابة بالسرطان، هو قول مغالط حتما، ولا يحمل تأكيدا علميا أبدا!
كشف «المغالطات المنطقية» موضوع معروف عالميا ويُدرّس تابعا لعلم المنطق المتفرع عن علم الفلسفة، وللأسف لا تتم دراسته في مدارسنا رغم ما فيه من فوائد عظيمة، خاصة في الأوقات التي يكثر فيها تناقل الإشاعات والأقوال المبثوثة في وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها حقائق لا تقبل الجدل، ولا يخفى كيف يستغل هذا الأمر كثيرا أصحاب الأجندات الخفية، فيؤلفون العبارات المغلوطة التي قد تكون محبوكة بشكل أكثر دقة من الأمثلة السابقة، ويمررونها مذيلة بعبارات مثل «انشر تؤجر» للبسطاء الذين يتداولونها وينشرونها بجهل، للأسف، وبكثير من الحماس وحسن النية والرغبة في نشر الخير كما يعتقدون.
إن نشر الثقافة المنطقية هو ضرورة فكرية وأمنية لمجتمع أكثر يقظة وأرقى وعيا وأقل إشاعات وأكاذيب.
اقتراح ورجاء نرفعه لوزارة التعليم أن تقوم باعتماد مبادئ الفلسفة والمنطق ليتم تدريسهما لأبنائنا وبناتنا حماية ووقاية لهم من عمليات الأدلجة أو غسل الدماغ المحتملة عبر مثل هذه العبارات المغلوطة وسواها من أفكار تخالف العقل والمنطق، وقد تمثل مصدر خطر، فكريا وأمنيا واجتماعيا.