عندما خان يهود بني قريظة العهود والمواثيق في غزوة الأحزاب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتوجه إليهم وكانت عبارته التي وجهها إليهم حمالة أوجه، يشرحها حديث ابن عمر رضي الله عنه الوارد في البخاري. قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك، فذُكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحداً منهم».
استفاد الأصوليون من هذا النص حقيقة وهو أن من حقك كمسلم الأخذ بظاهر النص، ومن حقك أيضاً القياس والبحث عن دلالات أخرى ربما تقودك لحكم آخر.
المشكلة في حياتنا المعاصرة أننا لم نستطع أن نكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ونتقبل اختلاف الناس في فهم النص القرآني أو النبوي، ونقاتل بشراسة بالتكفير والتهديد والوعيد ليتبعوا فهمنا في الوقت الذي يتقبل المشرع هذا الاختلاف ولا يلوم مسلماً على اتباعه لفهمه.
والغريب أن نفس هؤلاء الذين يرغمونك على قبول فهمهم هم أنفسهم الذين يخبرونك أن الفقه الإسلامي متطور ومرن، ثم يقولون لك كيف تجرؤ على مخالفة إجماع المسلمين.
إن ذلك محير فعلاً ويجعلك توقن أن مشكلة هذا الفقه هو أنه حرم من حرية الفهم التي أسسها له صلى الله عليه وسلم ومنحه بها حقه في التطور والمضي والخلود ما دامت الحياة الدنيا.