من المتقرر شرعا وعقلا، أن الله يختص من شاء من خلقه بما شاء من فضله، فهو سبحانه ذو الفضل العظيم، كما قال تعالى: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم* يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، فالقرآن والإسلام وخيرات المكان وبركات الإنسان، هي من رحمة الله التي يختص بها من شاء من عباده، يُقابلها العقلاء بالشكر لله، والتحدث بنعمة الله، فإن ازدراها بعض الناس أو ازدرى بعضها، لا سيما ما يخص فضائل المكان والإنسان، تحت شعار: عدم الخصوصية، أو ملَّ تلك النعم والفضائل، فإنها تُسلَب منه، وقد أخبرنا الله تعالى أنه أنعم على سبأ، بأن جعل بلدتهم طيبة (بلدة طيبة ورب غفور) وأسفارهم فيها آمنة، وثمارها يانعة، وجعل بينهم وبين القرى التي يريدون السفر إليها قرى ظاهرة مباركة، السير فيها مقدّر وآمن، لا يشعرون بأي مشقة، وكان المتعين عليهم أن يشكروا الله على ما اختصهم به من هذه الفضائل، لا سيما أن الله ذكَّرهم بذلك فقال (كلوا من رزق ربكم واشكروا له)، لكنهم ملّوا هذه الخصوصية في بلدهم، وملوا تقارب الأسفار الآمنة في قراهم (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)، هذا التمزيق والعياذ بالله (مزّقناهم كل ممزّق). هو جزاء من ملّ ما اختصه الله به من فضل.
وتحدثاً بنعمة الله، وشكراً لربنا جلّ وعلا أقول: إن بلادنا المملكة العربية السعودية اختصها الله برحمة منه وفضل، صحيح أن بعض الإخوة الكتاب هداهم الله يكرهون الحديث عن خصوصية بلادنا، وبعضهم يسخر منها، يقول أحدهم: (عبارة لنا خصوصيتنا..ونحن مجتمع له خصوصيته، بفضل تمسكه بالعقيدة الإسلامية... من أهم الكلمات التي تسببت في كوارث حقيقية...)، ويقول آخر: (الخصوصية وهْمٌ سقط)، ويقول آخر: (كذبة مفهوم الخصوصية السعودية)، ويقول آخر: (نهاية الخصوصية السعودية مسألة يجب ألا تثير المخاوف)، ويقول آخر ساخرا: (البنك المركزي: مؤسسة نقد، القانون: نظام، الميلادي: أبراج، العيد الوطني: اليوم الوطني، نحن غير على رغم أنف العالم)، هذا قولهم، وهم فيما ظهر لي بعد أن قرأتُ كامل ما كتبوه في هذا الموضوع، يريدون أن يردوا على من ينكر التقدم بحجة الخصوصية، لكنهم أخطؤوا الطريق، وصاروا كمن يريد أن يُعالج زكاما، فأحدث جُذاما، ولو هُدوا إلى الطيب من القول: لقالوا إن خصوصيتنا التي نشكر الله عليها، هي أكبر دافع لنا للتقدم والوصول للعالَم الأول، وما كان ينبغي أن يجرهم من يُنكر التقدم إن وُجد، إلى إنكار ما اختص الله به بلادنا، فالخطأ لا يُعالج بالخطأ، ولا بردود الأفعال غير المتزنة.
فإن قال قائل هذا قولهم، فما قولك أنت؟ فالجواب: لا ريب عندي أن لبلادنا -المملكة العربية السعودية - خصوصية لا يستطيع إنكارها إلا مُكابِر: فهي مهبط الوحي..أليست هذه خصوصية؟!! وهي تضم الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة.. أليست هذه خصوصية؟!! وليس فيها وثن يعبد..أليست هذه خصوصية؟!! وبلادنا تطبع المصحف الشريف وتترجمه لجميع لغات الدنيا وتوزعه مجانا.. أليست هذه خصوصية؟!! وولاتنا (آل سعود) يحكمون بالكتاب والسنة منذ ثلاثمائة سنة ولا يزالون.. أليست هذه خصوصية؟!! ودستور الحكم في بلادنا ينص على أن الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة.. أليست هذه خصوصية؟!! لا توجد في أي دستور في العالم!! ألم تتميز بلادنا بإغاثة المكروبين مهما كان جنسهم ودينهم وبلادهم، وما قصص السياميين عنّا ببعيد.. أليست هذه خصوصية؟!! ألم يختص الله بلادنا بالملك عبدالعزيز، الذي جمع الله به القبائل بعد الفرقة، وألّف الله به القلوب بعد العداوة، ووحّد الله به البلاد بعد الشتات، وفتح لشعبه دروب العلم والتقدم، فأصبحوا في صدارة العالَم، وأصبحت دولتهم من دول العشرين، بعد أن كانوا في هذه الصحارى لا يُؤبه لهم.. أليست هذه خصوصية؟!! ولو أردت أن أحصي نعمة الله علينا وعلى بلادنا، ما استطعت، ولكن تلك أمثلة أذكرها من باب: (وأما بنعمة ربك فحدِّث).
وإن كان هناك من يظن أن التقدم العلمي والتقني والانفتاح على العالم بما ينفع ديننا وبلادنا، يتعارض مع خصوصيتنا، فهو جاهل لا يعرف ماذا تعني الخصوصية، ولو كان من أهل العلم والعقل لعلم أن خصوصيتنا هي التي تدفعنا للعالَم الأول، ومواكبة المستجدات، وأن نكون في مقدمة الركب، لا أن نكون عالةً على أحد.