تابعت بكثير من الشغف قصة الجراح السعودي هاني طلال الجهني، وهي قصة تستحق أن تروى، ويجدر بكل شاب سعودي أن يمنحها بعض وقته لأنها سوف تمنحه مردودا بأضعاف قيمة هذا الوقت، وخصوصا فيما يتعلق بالبدايات المتعثرة لهذا الشاب، وهي تشبه إلى حد كبير واقع كثير من شبابنا، وتسبب لهم الكثير من المحبطات التي تقود وقادت بعضهم بالفعل إلى مجاهل الفشل، بل وجرتهم إلى وحل الجريمة والانحراف.

وإذا كان تاريخنا المشرق على امتداده، ومنذ بزوغ شمسه وحتى عهد قريب يترصع بمئات القدوات التي لا نمل من الحديث عنها، وعن دعوة شبابنا للاقتداء بها، فإن النماذج السعودية الشابة تبدو أكثر تأثيرا، وأكثر قربا من النفوس... لانتفاء فوارق الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والحضارية، حيث تختفي العبارات المثبطة والمحبطة والتبريرات التي لا تخلو من الصحة أحيانا.. مثل هذاك أول... زمنهم غير وزمنا غير، دراستهم كانت سهلة، لم يكن لديهم ملهيات، لم يكن لديهم أي خيارات أخرى، الظروف مختلفة..إلخ.

لكن عندما يستمعون بكل حب وشغف لقصة شاب سعودي.. نشأ في وطنهم، وتلقى نفس تعليمهم، وعاش نفس ظروفهم، وتأثر بنفس مجتمعهم، بل ووقع في نفس أخطائهم ومارس سلوكياتهم، ووقع في فخ الطيش واللامبالاة والتنصل من المسؤولية، كما حدث لهم بالضبط، فإن درجة الاستفادة ستكون أكبر، والاستجابة ستكون أعمق مما نظن، حتى لو لم تكن استجابة واضحة المعالم، أو استجابة فورية، لكنها ستظهر بشكل أو بآخر.

فكم يحتاج شبابنا إلى قدوات حية يلمسونها بأيديهم ويرونها بأعينهم، ويشعرون بقربها الاجتماعي والروحي منهم، قدوات تتكلم بلهجتهم البسيطة، وتعيش ظروفهم، وتسير بينهم في الشارع.

الصحابة لم يتأثروا بشيء أكثر من تأثرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان مثالا حيا يعيش بينهم، التربية بالقدوة أعظم أسرارها أن ترى بعينيك كيف يعيش القدوة تفاصيل يومه المطابقة لتفاصيلك، وكيف يتعامل معها بطريقة واقعية يمكنك أنت أيضا القيام بها.

فالقرآن الكريم على عظمته وجلاله لم يكن ليربي ذلك الجيل الذهبي الفريد في تاريخ البشرية جمعاء، لولا أنهم شاهدوه ناطقا أمام أعينهم في أدق تفاصيل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي لخصته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في جملة قصيرة يحتاج شرحها لمجلدات، وهي تصف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: «كان خلقه القرآن».

وبالعودة للشاب السعودي هاني طلال الجهني، وهذه هي الصورة البسيطة التي سنقدمه بها لجميع الشباب السعوديين الباحثين عن مصابيح الأمل في رحلتهم الطويلة مع النجاح والفشل، فالشاب هاني الجهني ما هو إلا واحد منهم، ولا يختلف عنهم بشيء، وهذا أجمل ما في الأمر، والأمر الجميل الآخر أن هذا الشاب الطموح الناجح لم يطمس بداياته المتعثرة وهو يقدم نفسه، كان بإمكانه أن يقدم نفسه على أنه أخصائي جراحة المخ والأعصاب بفرنسا وحاصل على الزمالة الفرنسية، عضو هيئة تدريس بجامعة القصيم، تخصص دقيق في جراحات العمود الفقري والأورام العصبية والأوعية الدموية، ويبدأ قصته من حيث انتهى إليه من نجاح ومجد، وهذا حقه.. لكنه من باب حب لأخيك ما تحب لنفسك، وبقلب المسلم الشفوق، وبإحساس المواطن الغيور، ومن منطلق استشعاره لدوره التنويري في حياة الشباب، ولأنه لا زال يشعر بمعاناة الشباب الذين لا زالوا يعيشون نفس بداياته المحزنة والمؤلمة والمحبطة، بادر بعرض قصته الملهمة، مبتدئا بكل شجاعة وحكمة، من الوجه المظلم لمسيرته الشاقة، ربما لأنه يعلم أن كثيرا من الشباب لا زالت أنوارهم ترزح تحت ظلمات هذا الوجه، ويحتاج لمن يوقد له ولو عود ثقاب في أنفاقه المظلمة.

فالدكتور هاني أضاع سنينا من بدايات عمره الغض وشبابه الناضر في الضياع والفشل والإهمال والتنصل من المسؤوليات، وخيب ظن والديه وسبب لهما الآلام، وهو سادر في طيشه، لكن تلك السنوات التي أنفقها في سراديب الفشل لم تكن مبررا لاستمراره فيها، بل عاد لأنه دائما ما دمت حيا فهناك متسع من الوقت لتعود وتنجح..

واللافت للنظر في رحلة نجاحه التي أعقبت سنوات الفشل هو ارتباطه بالله ومحافظته على الصلاة بعد أن كان مقصرا فيها، وهو أمر يحتاجه شبابنا للنهوض من القاع والاستناد على حبل الله المتين الذي لا يضعف ولا ينقطع..

شكرا للشاب السعودي هاني الجهني لأنه أخبرنا بأقل الكلمات أن شباب المملكة بخير وفيهم من الخير ما يكفي لتصبح صحارينا الجرداء جنات وأنهارا، شكرا للشاب هاني لأنه أخبرنا ماهي العلاقة بين الالتزام بتعاليم الإسلام والارتباط بالله والنجاح، شكرا لأنه أخبرنا أنه مهما فشلنا فإنه بإمكاننا أن نعود، شكرا لأنه قام بدوره الإنساني والديني والوطني تجاه شبابنا عندما فتح لهم صفحات حياته لينهلوا من تجربته الحية..

وندعو كافة الناجحين أن يقوموا بدوره ليخبرونا كيف نجحوا ومن أين بدأوا، وكيف تجاوزوا الفشل..

نريدهم أن يردوا على استفسارات الشباب وأسئلتهم بالتواضع والحب الذي يجعل الدكتور هاني يرد على أمنيات الشباب والشابات الوردية بأن يصبحوا مثله.. بقوله: بل يجب أن تكونوا أفضل مني..!!