أصدرت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله قرارا تاريخيا بفرض قانون منع التحرش هذا الشهر، قرار من شأنه رفع مستوى التنوع والوعي والسلام المجتمعي، ولعل أكثر من سيستفيد منه المرأة. من وجهة نظر إعلامية هناك أمور عديدة ينبغي على إعلامنا الالتزام بها لكي يتواكب مع هذا التطوير القانوني والتشريعي لوضع المرأة وغيرها من الفئات في مجتمعنا.
ويمكن القول إنه لن يستطيع إعلامنا القيام بهذا الدور في ظل محتواه الحالي دراميا وثقافيا وحتى رقميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. والسبب هو التمثيل السلبي، النمطي والتقليدي والرجعي وأحيانا الناقم على المرأة، إضافة للتناول «الآخروي» لكل أقلية تعيش في مجتمعنا. فمسلسلات رمضان هذا العام على سبيل المثال تضمنت أدوارا عديدة تقوم فيها المرأة بدور الخائنة، المتسترة، والاستغلالية، وتم تطبيع العنف والتحرش ضدها سواء جسديا، أو لفظيا أو بأشكال أخرى. وهناك أعمال تم تهميش وتغييب المرأة منها. في أخف الحالات ضررا، ظهرت المرأة في العديد من إعلانات رمضان لهذا العام تغسل الملابس، وتكويها، وتقوم بالطبخ، مما قد يعزز نظرة أن «المرأة مكانها المطبخ»، تلك النظرة التي تتعارض مع تمكينها مهنيا وتشجيعها على الموازنة بين المنزل والعمل.
ثم إن تلك المهام المنزلية التي تصر إعلاناتنا على ربطها بالمرأة باتت الأجهزة والتقنيات تقوم بها، لذلك يمكن استفهام الطرق التي يتم بها تناول قضايا الهوية والجندر في إعلامنا دائما. والجدير بالذكر أنه قد ازدادت أهمية طرح هذا الموضوع الآن بالتزامن مع قانون منع التحرش وتشريعات تشجيع النساء السعوديات للعمل والانخراط في مهن متنوعة تسهم في تنمية البلد وخصخصة اقتصاده.
إن التمثيل الصحي والطبيعي والمتحضر للمرأة -إعلاميا- قد يجعل تطبيق مثل هذه القوانين أمرا يسيرا وتحصيل حاصل. إضافة إلى ذلك، فإن التمثيل الجيد إعلاميا للمرأة وغيرها من فئات المجتمع يجعل سيدات هذا المجتمع وحتى أطفاله وأقلياته بحالة نفسية وعقلية أفضل منها إليهم، إذا كانوا مستمرين في التعرض لمحتويات تطبّع الانتقاص والتحرّش وتجعل منه ممارسة عادية أو مقبولة، أو مألوفة.
في تقرير حديث نشرته صحيفة «يو إس اي توداي» الأميركية، كُتب بأن صناعات إعلامية مثل المسلسلات والأفلام والفيديو كليبات الغنائية وغيرها تتضمن أحيانا بعمد وأحيانا بشكل لا إدراكي ودون قصد الكثير من التساهل والتسامح مع المتحرشين خصوصا عندما تكون ضحية التحرش امرأة. بل وقد يحتفل بالمتحرش ويكون هو بطل العمل ويتم ترويجه وجعله نجما. وقد تزيد هذه المخاطر بالنظر لتطورات الإعلام المستمرة وتمدد مواقع التواصل الاجتماعي حيث إن مواقع مثل Twitter و Facebook و YouTube تتضمن تعليقات أو صورا جنسية ومحتويات أخرى مضرة تسبب في وجودها ضعف الرقابة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدي. تقول عضوة البرلمان الأسترالي «ساره هانسون يونق» دائما
ما يفاجئني مستوى التحرش وسوء المعاملة الظاهر في الإعلام والكثير لم يتم رصده بعد. وصحيح أنه تتواجد هذه الإشكالات في الفنادق والمستشفيات وشركات المحاماة والمختبرات، لكن صناعة الإعلام مختلفة. لأن صناعة الإعلام هي الوحيدة التي تعمل بشكل تفاعلي يربط بين الفنان والجمهور، المتحدث والمتلقي، الإعلامي والمستمعين. لذلك فإن الإعلام، بشكل يختلف عن بقية الصناعات، لديه القوة والمؤهل ليكون قادرا على المساعدة في طرح موضوع التحرش، ونقل فكرة أن معاقبة التحرش ليست مرتبطة بمرتكب جريمة التحرش فقط، ولكن بكل من يؤيده ويحاكي جريمته.
هناك العديد من الطرق التشريعية التي يمكن استخدامها لضمان خفض مستوى التحرش الظاهر في الإعلام بكافة أشكاله، وأحد هذه الطرق إنشاء لجنة تابعة لوزارة الثقافة والإعلام تعنى برصد هذا الموضوع، يكون أعضاؤها من المختصين والمتعمقين بدراسات الجندر والهوية، ممن سيشرفون على أي عمل قبل الموافقة عليه وبثه. أما بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي فتشريعاتها العامة فضفاضة، لكن التواصل الرسمي مع إداراتها يؤدي لنفس النتيجة وهي منع المحتويات المسيئة من التداول وإخفاؤها. كلا النشاطين يساهمان في ضمان أن رسائل إعلامنا المباشرة وغير المباشرة لا تتضمن انتقاصا أو تعديا على المرأة أو على الرجل، وأنها لا تتعاكس مع الأمر الوزاري الكريم بتجريم التحرش، ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.