أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بفصل الثقافة عن الإعلام مؤخرا.. كما تم استحداث وزارة للثقافة تعنى بشؤونها الهامة وتعالج تحدياتها في بلادنا وتضطلع بكافة مسؤولياتها بحول الله.. حقيقةً الفرحة كبيرة ولها ما يبررها إذا استحضرنا العمق الثقافي لهويتنا ولتاريخنا ولبلادنا ومنطقتنا، مع قوة تأثير كل هذه المكونات داخليًا وخارجيًا، إذا أحسنّا استخدامها وتوظيف أدواتها. الثقافة هنا ليست علمًا فقط لنفرضه وينتهي الأمر، ربما الثقافة على المستوى الشخصي كل ما يبقى لنا بعد أن تتآكل أطراف ذاكرتنا وتميل بنا عصا العمر عن جادة القوة وتجبرنا على أن نخلع نظاراتنا.

لكن على مستوى الدولة، فالثقافة هي البوتقة التي تنصهر فيها مكونات جودة الحياة، ولكي نضمن ثقافةً تؤسس فعلا لجودة الحياة لا بد أن نبدأ بخطة إستراتيجية للثقافة تستوعب أصالة الماضي وجمال الحاضر وآمال المستقبل ومخاطره وسبل تحسينه. خطةً توظّف القوى الثقافية الناعمة وتمدّ جسورًا للتواصل البناء بين وطننا والعالم من حوله.

أتمنى أن يتعاطى الجميع في بلادي جرعاتٍ زائدة من الثقافة بإدراجها بمفهومها الواسع في التعليم وحمايتها في الإعلام وتداولها في الأسواق والمتاحف والمسارح والسينما والشوارع، لأن دورها الجوهري هو الأنسنة والتلطيف والعزف على وتر الجمال في كل ما حولنا.

ولأنها وزارةٌ مستحدثة، أتمنى أن تنتقي إرثها من وزارة الإعلام وغيرها من الوزارات بشكل مقنن جدا، فتضمّ إليها من ينتمي لها في التوصيف الوظيفي والمهام من هذه الوزارة أو غيرها من الوزارات والجهات الحكومية الأخرى، تأصيلا للعمل وتجويدا له وتوحيدا للجهود المبعثرة ولمّاً لشعثٍ طال انتثاره.

أتمنى على وزارة الثقافة أن تتبنى دور التروس المسننة في ساعة الوطن وتضبط مستقبله بإشراك جميع المؤسسات في خطتها الثقافية الإستراتيجية لكي تخلق فرقا قابلا للقياس.. ولأن ميزة المثقف الأهم هي في تقبل الآخر، أتمنى على الوزارة أن تلغي بدعة الإقصاء التي عانى منها بعض المثقفين زمنا طويلا؛ فبلادنا مرعىً خصب للعديد من الثقافات الجميلة والتوجهات السليمة والمعتدلة والمميزة، والجيد يجب أن يفرض حضوره.

آمل حقيقةً أن تمتدّ يدها لتعالج بعض جوانب الخلل التنظيمي في ملحقياتنا الثقافية في الخارج والتي يخالف اسمها واقعها في كثير من الأحيان، وذلك بسبب ضغوطات العمل التعليمي الذي حجّم دور ملحقياتنا الجوهري في إثراء حركة التبادل الثقافي بين بلادنا والدول المستضيفة لهذه الملحقيات، مما جعل العمل الثقافي طارئا على الملحقيات وموجَّها للمبتعثين، في الوقت الذي يفترض أن تكون الملحقيات فيه وجهًا مضيئًا لبلادنا في الخارج ووِجهةً أولى لمن أراد أن يتعرف علينا دون أن يغادر بلاده.

هذه الخطوة تحديدا ستؤمن طريقًا جديدًا كطريق الحرير ينسج لوحةً زاهيةً لثقافتنا بدون أن يخشى زخم وغنى الثقافات الأخرى لثقته في عمق جذوره وأصالتها.

أبارك للوطن ولنا وللأمير بدر تسميته حفظه الله أول وزيرٍ للثقافة في بلادنا الحبيبة، والحقيقة أن اعتلاءه أفق هذه الوزارة يعلي سقف المطالب والتحديات ويفتح نوافذ الأمل في الوقت ذاته على مصراعيها، أنا متفائلة، والقادم دائما أجمل بإذن الله يا وطني.