مغادرة المنصب الرسمي، فرصة يستفيد منها الناس على مختلف مستوياتهم، ومنهم أولئك الذين يجدونها فرصة للنيل من المغادرين، فيكتبون ويتكلمون، ويتآمرون، ويتسللون، ويقدمون أنفسهم في ثياب الناصحين، بل ويقدم الواحد منهم النظريات تلو النظريات في التطهير والمكاشفة، والحديث عن النزاهة والشرف، وهؤلاء قد تصلح فيهم مقولة القائل الخبير «احذر الفاسد الذي يتحدث كثيرا عن الفساد».

مناسبة مقدمتي، مغادرة معالي الأستاذ الدكتور هاني أبوراس، منصبه أمينا لمحافظة جدة، بعد دورتين تامتين، فاز فيهما بثقة ولي الأمر، وحقق خلالهما إنجازات لا يبصرها إلا غير المتحاملين، منها: الجسور والأنفاق والواجهات البحرية والمماشي والمواقف، وغيرها. ولعل طبيعة المناصب الحساسة، كأمانة محافظة جدة، أن «عين السخط» غالبة، على الرغم من أن كل أمين بذل ما وفقه الله إليه، واستخدم الإمكانات المتاحة التي يعرف تفاصيلها من كلّفه بتعيينه، ومن كان في دائرته.

الدكتور أبوراس، عَلَم من أعلام الهندسة الصناعية في العالم، ومفخرة سعودية، تشرف بالمنصب السابق، وسيتشرف بغيره، ومهما قدم لبلاده لن يوفيها حقها، وتقييم عمله في خدمة أهل جدة، يحتاج إلى منصفين، ومتخصصين، وليس لعابري سبيل.

وكمثال، أذكر شائكة واحدة من أشواك جدة، وهي «سيول جدة»، فبعد السيول الأخيرة التي حلت في 3/3/ 1439، نصّبَ بعضنا أنفسهم قضاة على أمانة جدة، وأمينها، وغابت الدقائق والحقائق، ومنها أنه بعد السيول الثانية التي كانت بتاريخ 22/ 2 /1432، تسلم مشروع مياه الأمطار وتصريف السيول بجدة «أرامكو السعودية»، المبالغ المخصصة لعدد 14 مشروعا من مشاريع تصريف الأمطار ودرء السيول بجدة، بموجب أمر سام كريم صدر بتاريخ 11/ 4/ 1432، ولعدم الاستعداد، وللمساعدة تكفلت الأمانة بتنفيذ مشروعين، وتولت أرامكو البقية، وحذرت الأمانةُ من عدم استكمال شبكة التصريف، وإعادة تأهيل القائم منها، وبعد 4 سنوات تعرضت مكة وجدة لسيول جديدة، وتبين أن أرامكو لم تسلّم أعمال ومخططات ودراسات المشاريع المكلفة بتنفيذها، وسلّمت كراسات وكتيبات وأدلة إرشادية فقط، وبعد أيام من سيول 29/ 1/ 1436، وتحديدا في 22/ 2/ 1436، بدأ الخلاف المستتر: (أرامكو) تقول إنها ليست مسؤولة عما يتعلق بتجمعات مياه الأمطار وتصريفها، وإنها مسؤولة عن درء الخطر عن الأرواح والممتلكات، و(الأمانة) ترد بكلام مقنع، يستطيع أن يعيه من فهم الأمر السامي الكريم، وأنه لم يفرق حينما أسند إلى أرامكو شرف خدمة جدة؛ بين مشاريع الأمطار والسيول.

الكلام فيما مضى لا يصلح الحال دائما، ولأننا أبناء اليوم كما يقال، أختم بخبر غير سري، ومعروف عند البعض، وهو أنه قبل حوالي سنتين، تولى أمين جدة، الدكتور هاني، وفريقه في الأمانة إعداد مخطط عام لتصريف الأمطار، وطلبت الأمانة استصدار أمر سام كالأمر الذي نالته (أرامكو)، وأعلنت المراحل الـ3 العاجلة، وتم الاتفاق على طلب المبالغ اللازمة من مبادرات وزارة الشؤون البلدية والقروية، وقبل أشهر طُرح مشروع دراسة وإعداد المخطط الشامل، وأدرج المشروع ضمن مبادرات الوزارة بالفعل، وما يريح محبي جدة، أن بشرى الترسية والتوقيع غير بعيدة، وأن قافلة تنمية جدة مستمرة، وإن جحد الجاحدون.