«كلما درست العلوم أكثر كلما آمنت بالله أكثر» ألبرت انشتاين.
أول أمر نزل علينا نحن أمة محمد هو (اقرأ)، نزلت على رسولنا الأمي عليه الصلاة والسلام، نحن أمة (اقرأ) أرادنا الله أن نكون متعلمين لأنه كلما تعلمنا أكثر كلما قربنا وتقربنا لله أكثر.
دائما ما نقول إن الإسلام دين صالح لكل مكان وزمان، لأنه آخر الأديان وأنه يستوعب كل المستجدات، لكن هل نطبق المقولة بشكل صحيح!؟، هناك شبه خوف من الجديد وغير التقليدي خصوصا في الأمور الدينية والشرعية، مع إني أراه - إلى حد ما- خوفا غير مبرر، نحن أصحاب أعظم دين عرفته البشرية في تاريخها، لست أقول ذلك لأني مسلم فقط، لكن من عاشر وعرف خلال عقود الكثير والكثير من الأديان والملل والجماعات سيصل إلى نتيجة واحدة، إن الإسلام هو الأعظم، وهو دين اليسر، يقول خير البشرية عليه السلام: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» رواه البخاري، «لن يشاد أحد الدين إلا غلبه» انتهى الموضوع! إذاً لماذا البعض يحرص على التشدد والخوف من الجديد!
هناك خلط كبير بين العادة والعبادة بين التراث والدين. يتوقع المسلم بعد هذه الآية والحديث أن أسرع الناس لتبني التيسير والجديد والتأقلم والتغيير هم المؤسسة الدينية، لكن يفاجأ من البعض بالعكس، وهنا الفرق بين المنهج التقليدي والمنهج المتجدد. الآن نمر في مرحلة جديدة أو ما تعرف بالسعودية الجديدة وننطلق بثبات وسرعة نحو المستقبل، ولقد رجعنا إلى سماحة ومرونة إسلامنا قبل 1979 وهو الإسلام الذي كان يمارسه المسلمون منذ آلاف السنين إلى أن جاءت الصحوة ووضعت أغلال التشدد، وهذا غير تلاعب الإخوان في عقول بعض الإخوة السلفيين، مما أنتج للأسف بعض الأفكار المتنطعة التي أساءت ليسر وسماحة الدين الإسلامي. نحتاج أن نظهر صورتنا الأصلية الجديدة، فهي أصلية لأنها كانت الأصل قبل أن تحاول عراقيل الصحوة أن تطمس بعض معالمها، وجديدة لأن العالم أخذ عنا صورة نمطية معينة، والآن الوقت الأنسب لإظهار صورتنا الميسرة المتجددة والصالحة لكل الأزمنة.
الطريقة التقليدية في الدعوة والإرشاد تحتاج إلى التحسين والتخلص من بعض رواسب الصحوة، السعودية ليست بلدا يقود العالم العربي والإسلامي بسبب قوتها السياسية والاقتصادية، ولكن هي القائدة الدينية للعالم الإسلامي، ومعروف للجميع المكانة الدينية ووجود الحرمين، ولكي نكون قائد المسلمين فيجب أن نستوعب الجميع، ونكون العباءة التي يجتمع تحتها الجميع، وهذا لن يحدث إلا إذا قبلنا وتقبلنا الجميع، فالشعوب الإسلامية تنتشر في شرق الأرض وغربها، ولها طباع وعادات وحتى ممارسات دينية معينة، وعموما الإسلام يستوعب الاختلافات من خلال المذاهب المختلفة، بل حتى داخل المذهب هناك اختلافات كما هي مدارس الأئمة الأربعة داخل المذهب السني كمثال، وبقيت هذه الاختلافات منذ مئات السنين، بل كانت سبب تيسير ونشر وتوسع الإسلام في العالم خلال القرون الماضية. إذن ثقافة الاختلاف كانت سائدة وهي سبب تنوع ومرونة وسرعة انتشار الإسلام سابقا، في الوقت الذي كانت أوروبا تعاني الحروب بسبب اختلاف المذاهب.
أتمنى أن تكون السعودية الجديدة الأخت الكبرى للعالم الإسلامي ككل، وليس كما يطلق عليها للخليج، الأخت التي تستوعب الجميع بكافة اختلافاتهم الدينية والمذهبية، فهي المؤهلة قبل غيرها لذلك، فلا أحد يستهين بما للمملكة من حب ونفوذ في قلوب المسلمين حتى مع من يختلفون معنا، نعرف أنه ليس الجميع يتفق معنا في بعض الأمور ونعرف أننا لا نتفق معهم ببعض الأمور لكن «سددوا وقاربوا».
من الأفكار التي أتمنى أن تكون عليها الصورة الأصلية الجديدة لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد هي الدمج الموسع والقوي للتقنية والأساليب الجديدة مع أنشطتها وأهدافها، فهذه أسرع طريقة لإظهار الصورة الجديدة خصوصا أن العالم الآن أصبح متصلا رقميا مع ثورة الاتصالات الجديدة. يجب أن تضرب الوزارة أمثلة على التوجه الجديد، والأفضل أن تبدأ بالداخل والأمثلة كثيرة، وسأسرد بعضها، ولكن المجال واسع للكثير من التغيير وكأحد الأمثلة المهمة سأبدأ بمساجدنا.
مساجدنا هي نفسها منذ ما يقرب من عقود، دورها محصور بالصلاة تقريبا بينما كانت في الإسلام تخدم الكثير من الأشياء من التعلم للاجتماعات، وكانت حتى مركز قيادة في صدر الإسلام، في المملكة يوجد ما يقارب 100 ألف مسجد، تقريبا نفس التصميم، تستهلك ملايين اللترات من المياه للوضوء وتستهلك 8 مليارات ريال كهرباء، أين الوزارة من تحويل المساجد إلى جنان بزراعة عشر أو أكثر، شجرات عند كل مسجد، واستخدام مياه الوضوء المدارة والمعالجة للسقيا، بل بالإمكان تحويل ساحات المسجد لحدائق، تصور لديك مئة ألف حديقة بالسعودية، وأين استخدام الطاقة الشمسية على أسطح المساجد لكي تغذي المساجد بالطاقة بدل استهلاك المليارات، أين الاقتصاد في الإضاءة والتكييف من خلال استخدام تقنيات الطاقة، ألسنا نريد أن نكون مثالا يقتدي به بقية العالم الإسلامي فلنبدأ على الأقل بمساجدنا، هناك للأسف عدد قليل جدا من المساجد بدأ يستخدم التقنيات الحديثة ووسع دور المسجد لدوره القديم من الدور التقليدي الحالي.
ومثال آخر هناك أوقاف المساجد وما أدراك ما حال الأوقاف في بلدنا، أنا أعرف أن الأوقاف أصبحت تحت مظلة الهيئة العامة للأوقاف ووزارة العمل، لكن ربما لا يوجد قطاع حيوي عطل سابقا في المملكة ولم يستفد منه بالشكل الصحيح كما هو قطاع الأوقاف بشقيه المساجد أو الأوقاف الأخرى، للأسف كانت تدار منذ آلاف السنين بنفس الطريقة وكأن العالم توقف، نحن نملك أوقافا بـ15 مليارا، منها 3.7 مليارات دولار تحت إدارة الهيئة و10.7 مليارات دولار تديرها جهات أخرى، ومتوقع أن تصل الأوقاف في المملكة إلى أكثر من 93 مليار دولار خلال عقدين من الزمن، هذا الحجم المهول من الأوقاف لو استغل بطريقة صحيحة وعلمية وتقنية لَحل مشاكل كبيرة في البلد من مرضى وفقراء ومعوزين وبناء مشاريع، بل بدون شك سيفيض عن حاجة البلد لمساعدة الدول الإسلامية الأخرى.
مثال آخر الدعوة وطرقها وأساليبها كلها تتغير مع الوقت، صحيح أن جوهر الدين واحد لا يتغير لكن استخدام الأدوات الحديثة يساعد في نشر الجوهر، فإرسال الوفود الدعوية حول العالم للنشر والتعليم يحتاج جيلا وأسلوبا جديدا وتحتاج إلى دفعة قوية وصورة جديدة، انتهى عصر محاولة جعل الناس مثلنا تماما فلكل بيئة ظروف مختلفة لكن سددوا وقاربوا، ابحثوا عن الأمور التي تجمعنا أكثر من التركيز على الأمور المختلفة، فالاختلاف سنة الله بين عباده. هناك الكثير مما يمكن تحسينه أتمنى أن تكون الوزارة السباقة لكل جديد يخدم تطلعاتها فالديناميكية والتجديد هما من يحققان أهدافها بفعالية وإنجاز ووقت مميز، ولا ننسى أن هذه البلد بنيت على القرآن والسنة وتعاليمهما التي تدعو للعلم واليسر.