الأديب والشاعر السعودي محمد العامر الفتحي، صامت كظلال الأمكنة الخضراء، رهيف كالحكايا الدافئة في ليالي الشتاء، تراه فتظن أن مهمته إيقاظ الكامن في حواسنا، واستدعاء الدهشة في مشهدنا، يغترف بصمته ذنباً حين لا ينفتح على الأضواء، ولا ينجذب إلى عربات المرايا المبهرة، رضي بالإقامة داخل قفص العزلة، وانحاز إلى عوالم التأمل واستقراء الموحيات المركونة في قريته الصغيرة تحت هجير التهائم، ينحت تجربته الجمالية بعيداً عن الصخب المستهلك، وزفير المثيرات الواهمة. مما يثير الحرقة أن هذا الاسم غير متداول كصوت شعري ونقدي فاعل ومؤثر رغم التماعاته وتدفقاته الشعرية ومخزونه النقدي، تلامس أحدث التجارب المتجاوزة والرؤى الكاشفة والواعية، وتشتغل ببراعة على أنساق متوازنة وخبرات خصبة ومثمرة. وبالذات في كتابه (الحداثيون والمحافظون. قراءات موضوعية في معطيات متناقضة)، فرغم عشرات الأسماء المتحركة داخل الكتاب إلا أن العامر لم يشخصن القضايا، ولم ينزع إلا الإدانة ولم يبخس أو يجحف ضد الأفكار المزروعة داخل المنتج، أو يتموضع داخل خطابها الاستحواذي. هو يعلم أن القضية أصبحت في ذمة التاريخ ولكن معطياتها لا تزال كامنة في التفكير والتعبير كمعطل حياتي وإبداعي ومعرفي. يقول العامر: (لم تكن كل تلك الصراعات ناشئة في عالمنا العربي عامة وبلادنا السعودية خاصة في ظلال من الهم العلمي العاقل المتبصر. ولم تكن خالصة لوجه النظر الواقعي المنصف. ولم تكن نتاجاً للفهم المميَّز ولا للشهوة العلمية الموضوعية. ولا لزيجات متكافئة بين الأطياف المجتمعية ذات المشارب التي لا يجمع بينها سوى البحث عن الحقيقة). وبعد أن حدد العامر في خطابه خيوط القضية وجذوتها التي أشعلت في داخله ضرام الاحتجاج والصرخة المدوية ضد ذلك الصراع غير المبرر، عاد ليحدد ثلاثة محاور قادته لتأليف ذلك السفر أولها: التأويلات المختلفة للحكايات المتداخلة في حياتنا الاجتماعية والفكرية والأدبية والثقافية. ثانيها: رصد بعض النتوءات الجدلية التي توالدت في كهوف الشطط والتجاوز سجنا فيها وعينا ذات تجهم فشددنا عليه الحراسة ومنعنا عنه الضوء. ثالثها: ما استفز رغبتي في الكتابة بعد قراءتي لكتاب (حكاية الحداثة) للدكتور عبدالله الغذامي هو تلك الحكاية التي رأيت فيها شهادة على واقع عشناه ظهر فيها الدكتور ليحجب ضوء المرحلة بغربال الإقصاء قاسياً على أصدقائه الذين آزروه وأعدائه الذين صنعوه، ويحدد العامر أن سبب فشل التواصل وحدة الخطاب في تلك المعارك الادعاء بالأسبقية والركون إلى إصدار الأحكام قبل إيراد الأدلة، والوصول إلى النتائج قبل نضج التجربة، وضعف التأهيل واهتزاز الثقة. ولذا علينا ألا نصم الآذان عن نداءات الأرض، ولا أن نغمض عين الصدق عن أباطيل المرحلة، ولا أن نكسر المحاريث في وجه المطر.