في عام 1428 اجتمعت لجنة فرعية عن مجلس الوزراء بعد توصية رفعتها هيئة الخبراء بشأن السجينات المنتهية محكومياتهن ويرفض ذووهن استلامهن، ونتج في محضر هذا الاجتماع ولادة «دور الضيافة».
ماذا عن دور الضيافة وماذا كان في محضر إنشائها!
ورد في هذا المحضر «تنشأ دار خاصة لاستضافة النساء والفتيات اللواتي يتعذر إطلاق سراحهن لرفض أولياء أمورهن استلامهن بعد انتهاء محكومياتهن، أو رفض كفالتهن لإطلاق سراحهن حتى انتهاء إجراء قضاياهن، أو رفضهن الخروج مع أولياء أمورهن خوفا على حياتهن، وتكون هذه الدور تابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وتتكون من قسمين أحدهما للنساء والأخرى للفتيات بإدارة واحدة، وتتولى هذه الدار تأهيل ورعاية اللاتي يلحقن بها، دينيا وتعليميا واجتماعيا ونفسيا، والتركيز على التواصل بينهن وأسرهن، ويراعى في الدار المقترحة للنزيلات أن تكون بعيدة عن المؤسسات العقابية، وألا تدار بنفس أسلوبها، وأن تكون دار ضيافة وتربية وتعليم لا دار عقوبة، ويُبحث إمكانية تزويج نزيلات هذه الدار بعد موافقتهن وموافقة أولياء أمورهن».
واضح أن الهدف نبيل جداً، فهو محاولة حماية وتأهيل هذه الفئة واحتوائهن بكل طريقة ممكنة والرقي بهن وتحسين أوضاعهن، ما حدث بعد ذلك، أن تحول أهم أهداف هذه الدار لتكون مخالفة تماما لما أريد لها، فالدور الذي كان من المفترض أن تكون دور «ضيافة»، أصبحت من وجهة نظري دور «تقييد للحرية وإيواء جبري»، وبعد أن كان المفترض ألا تدار بطريقة المؤسسات العقابية، أصبحت هي بحد ذاتها وكأنها مؤسسات عقابية، فالفتيات والنساء اللواتي بها يصبحن وكأنهن دخلن محطة أخيرة من حياتهن !!.
فقد ألقى أولياء أمور هؤلاء النسوة مسؤولياتهم عنهن على عاتق الدولة، ورفضوا القيام بها.. فأصبح دورهم كأولياء أمور حريصين ومحبين، هو التأكد من دفن هؤلاء الفتيات أحياء، برفضهم الصلح معهن أو السماح لهن بالخروج وممارسة حياتهن.. فلا هم تحملوا مسؤولية هؤلاء الفتيات والنسوة، ولا هم تركوهن يخرجن للحياة ويتحملن مسؤولية أنفسهن!
فأصبحت هؤلاء الفتيات والنسوة يقضين الوقت في التكفير عن جرم فعلوه في وقت ما.. هن ارتكبن جريمة يوما ما، وحكم عليهن القضاء ونلن العقوبة، فعلى أي أساس يستمر هذا العقاب العمر كله بذريعة لا أحد يريد «استلامها»! أو بالأصح «ولي أمرها» لا يريد استلامها!
الإيواء الجبري هذا للمنتهية محكومياتهن، له وجه قاتم آخر، بل وجوه، ففيه ثغرة يستغلها أعداء هذه البلاد من حيث حقوق النساء فيها، ومؤلم كثيرا أن تتضاءل أمام أعين المحافل الدولية كل منجزات الوطن وما يقدم للنساء في وطني من دعم وتنمية بسبب بعض أولياء أمور باعوا ضمائرهم وأصروا على ظلم من تولوا أمورهن!
ومنها وجه قبيح آخر لهذه الأزمة، وهي ما تستغل به من إلصاقها ثوب الدين، فيوشم ديننا بأنه قمع المرأة ووأدها بالحياة بأن جعل قرارا يمثل الحياة والموت لها مرتهنا بيد شخص آخر، دون اعتبار لحقوق إنسانية.
فضلا عن كل ما سبق: فإن هذا الإيواء الجبري يناقض مباشرة عدة مواد قانونية في أنظمة الدولة.
مثلا: المادة (7) من نظام السجون والتوقيف، والتي تنص على أنه: (لا يجوز إيداع أي إنسان في سجن أو في دار للتوقيف أو نقله أو إخلاء سبيله إلا بأمر كتابي صادر من السلطة المختصة، ولا يجوز أن يبقى المسجون أو الموقوف في السجن أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة المحددة في أمر إيداعه).
والمادة (21) من نفس النظام والتي تنص على أنه: (لا يجوز أن يؤخّر الإجراء الإداري، الإفراج عن المسجون أو الموقوف في الوقت المحدد).
كذلك المادة (24) من نفس النظام والتي تنص على أنه: (يُفرج عن المسجون أو الموقوف، قبل ظهر اليوم التالي لانقضاء العقوبة أو مدة الإيقاف).
أيضا تخالف المادة (36) من نظام الحكم الوارد فيها «ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه، إلا بموجب أحكام النظام».
ولا ننسى أنها تخالف أيضا الأمر السامي رقم (33322)، القاضي بالتأكيد على جميع الجهات بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم الخدمات أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب، ومن المعلوم أنه لم يرد في (نظام السجن والتوقيف ولائحته التنفيذية) شرط حضور ولي الأمر لاستلام النساء المفرج عنهن.
وأخيرا: نأمل أن يجد المسؤولون حلا لكل هذه المخالفات، ويساعدوا في إزالة تلك الأوجه القبيحة التي تضر بسمعة ديننا ووطننا محليا وعالميا، وأن يعيدوا الحياة والكرامة لأرواح فقدتها خلف القضبان.