المتأمل في تفاسير معنى قول الحق سبحانه وتعالى، في سورة البقرة: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ يخلص إلى أنه ليس هناك أي مجال للتعصب ضد أي دين من الأديان السماوية، فالكل يشترك في الحقيقة، وفي التنافس في الخيرات، وهذا يعني أن إصدار الأحكام على الأفراد أو الجماعات بالكفر أمر لا يجوز، وفي نفس الوقت لا يجوز تبادل ما يثير المشاعر مع الآخرين، {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، سورة الأنعام.

العلاقة بين الأديان ينبغي أن تفهم على هذا النحو، وعلى أن الله تعالى، هو من سيفصل بين مختلف أصناف البشر، وهذا هو الذي تم تأكيده من خلال كتابه العظيم، الذي لا يأتيه الباطل، ولا تتسرب إليه الشكوك، ومنه قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، فلا مجال للأحكام المسبقة من أي طرف على أي طرف، إذا أردنا أن تعيش الأمم أجواء السكينة والطمأنينة، فيما بينها، وفي نفس الوقت علينا أن نسهم بفاعلية في إخفاء العوامل الداعية إلى تمييز الناس بعضها عن بعض، وأن نبتعد تماما عن كل ما يؤدي إلى الانغلاق، أو التفرقة، أو الشقاق، أو الاستهانة بالمشاعر، أو عدم الاحترام المتبادل، وأن تكون النظرة الإنسانية بين الناس سائدة فوق الجميع، جنبا إلى جنب مع كل ما يكفل التقارب والتواصل والتسامح.

التسامح، هنا، وبصورة عملية، يعني تقليد الإمام النسفي، في مقولته الشهيرة، التي نسبت خطأ للإمام الشافعي، ونقلها عن الأول الإمام زين الدين ابن نجيم في كتابه الشهير (الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان) [ص330]، وبالنص: «قال -الإمام النسفي- في آخر -كتاب- (المصفى): إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفينا في الفروع، يجب علينا أن نجيب بأن (مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفينا خطأ يحتمل الصواب)، لأنك لو قطعت القول لما صح قولنا إن المجتهد يخطئ ويصيب..»، وهذا يعني أن التسامح ينبغي أن يكون إيجابيا، وأن ننتصر دائما للحقوق العامة النقية، التي تم أو يتم الاتفاق عليها، والتي تشمل ردع الظلمة، ومكافحة خطط الظالمين، والتفاهم الواحد فيما يخدم الناس جميعا، ويكفل لهم أمانهم وسلامهم، قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، وفي موضع آخر: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.