إن من العجيب أن تجد شابا بريطانيا يضع على يمينه شعار النازية، أو يشير بيده ما يعني التحية النازية، فتتوقف بدهشة: كيف يحدث أن يُعجب شخص بفكر قوم أحرقوا مدينته الجميلة لندن ذات يوم؟!
لكنه تلاقح المصالح، وتوافق الأهواء، والغضب الذي يعتمل في النفوس، فيخلط الأوراق ويسهل مع الادعاء. فكرة تفوق الجنس اللاري توسعت لتصبح تفوق الجنس الأبيض، فصار هذا المراهق الأبيض يعتقد أن الهنود الذين استخرجت من مناجمهم الجوهرة التي تزين تاج ملكتهم، وبنوا بأيديهم العارية مطار هيثرو، لا يستحقون البقاء في بريطانيا، لأن لونهم بني. إن ظهور النازية في بريطانيا كانت له أسبابه، أهمها زيادة أعداد المهاجرين الذين يدفع ثمن توطينهم الاتحاد الأوروبي، لكن البريطاني العادي يظن أن حكومته تدفع هذه النفقة، وهنا تنبت شرارة الغضب.
ورغم توضيحات الحكومة، إلا أنها اضطرت إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بإيقاف الهجرة، رغم أنها توقن أن ذلك يؤثر على الاقتصاد، وما سقوط سعر الباوند إلا مجرد أثر صغير.
لكن رجل الشارع العادي لا يعرف ذلك، ففي أحد البرامج الحوارية، حاولت المذيعة إقناع إحدى القيادات النسائية لهذه الجماعات بأن عنصريتهم تؤثر على الاستثمار، حتى صرخت المرأة: لا نريد أحدا حتى الأغنياء الذين يشترون المنازل الفارهة في لندن وينفقون، لا نريدهم.
في رأيي، لن تغيّر المرأة رأيها العنصري، حتى لو عرفت هذه المرأة أن نسبة الشعب البريطاني فوق الستين تصل إلى 38%، والنساء في بريطانيا في غالبهن تأتي الأسرة متأخرة في خططهن، فيسبقها مثلا العمل والاستمتاع بحياة خالية من المسؤوليات، فيصبح متوسط سن الزواج وإنشاء أسرة 36، وهو رقم لا يحقق الزيادة السكانية التي تحل مشكلات بريطانيا، وتجعلها تكتفي من الأجانب.
لكن الكفاءات من الأجانب لا يمكن أن تقبل التعرض للعنصرية، لأن خياراتها متعددة، بينما من يقنع نفسه بالصبر على هذا التعامل هم أنصاف الكفاءات، لأن الخروج من بريطانيا هو خروج للمجهول.
تصور أن تكون هذه الكفاءات أطباء وأنصاف الكفاءات أطباء أيضا، ما نسبة الخطورة على حياتك عندما يخرج هذا من مستشفى في بلدك ويبقى ذاك.