احتدم الجدل في وسائل التواصل بين مؤيد ورافض لبرامج تدريب المعلمين في الصيف، ولم تخبُ جذوة هذا النقاش الساخن حتى بعد أن أعلنت الوزارة أن برامج التدريب اختيارية، ولا حتى بعد أن وضعت الكثير من التسهيلات، كأن يلتحق المعلم بالبرنامج التدريبي الأقرب لمكان إجازته الصيفية إن اختار ذلك، بل إن حتى إعلان معالي الوزير عن المميزات التي سيحصل عليها المعلم نتيجة التحاقه ببرامج الصيف التدريبية المجانية الميسرة لم يفلح في امتصاص غضب أكثر المعلمين وتشجيعهم على التفكير بإيجابية حيال هذا الموضوع.
وأنا، للأمانة، أتفهم سبب غضب المعلمين وإن كنت لا أشجعهم عليه.
شخصيا أرى أن دفع المعلمين للبرامج الصيفية بإغراء المميزات ومن دون إشراكهم في تخطيط البرامج التدريبية أو التفكير في بدائل لوقت الصيف مع إهمال عنصر دافعية المعلم الذاتية لبرامج التطوير المهني هو بمثابة إطلاق أحدهم الرصاص على قدميه كما يقال.
نعم المعلم يحتاج للتدريب، ولكنه أيضا يحتاج لتجديد طاقته والتمتع بإجازته، ويدفعني هذا للسؤال عن المعايير المهنية لإحاطة التدريب الصيفي بهذه الإغراءات، وتحديدا ربطها بنقاط المفاضلة؟ هل بقي الأمر اختياريا فعلا ما دام تترتب عليه مصالح أخرى؟ أترك لكم الإجابة عن هذا السؤال.
الحقيقة أن بدائل التدريب الصيفي متنوعة. لنأخذ على سبيل المثال فكرة «اليوم التدريبي للمعلمين»، والذي يمكن أن يتم تنفيذه كل أسبوعين في المدارس بأن يغادر الطلاب قبل موعدهم المعتاد بساعتين ويتأخر المعلمون عن موعد خروجهم ساعتين ليحصلوا بذلك على ثماني ساعات تدريبية كل شهر، بواقع أربع ساعات كل أسبوعين. التدريب في هذه الأيام يقدمه معلمو المدرسة بالتناوب فيما بينهم، بحيث لا يظل أي معلم بلا ساعات تدريب، سواء كمقدم للتدريب أو متلقٍّ له بالتناسب مع خبراته وتأهيله، لكن أين يتدرب المعلم الذي يقوم بتدريب زملائه؟ نموذجيا، هذا المعلم يتدرب ضمن مجموعات بحثية تطبيقية متخصصة تتبع لكليات التربية، يعمل فيها الباحثون المتخصصون في طرق التدريس مع مشرفي التدريب الميداني والمتخصصين في تطوير المعلمين جنبا إلى جنب مع قادة ومعلمي المدارس، لضمان وصول التدريب للمعلمين في مدارسهم مع خفض أثر هذا التدريب على تحصيل الطلاب قدر المستطاع من خلال توطين التدريب، ولذلك تقام غالبية الدورات للمعلمين خارج مدارسهم يوم السبت. المشاريع البحثية والتطبيقية لهؤلاء المعلمين تقام في فصولهم ويتابعها المشرفون والقادة لضمان حصول المتعلم على الثمرة منها، يقوم المعلم بعرض بحثه والحصول على التغذية الراجعة عليه، وكذلك يتم تقييم وتقويم المعلم كمدرب للمادة التي يريد تقديمها لزملائه.
أما إذا أردنا الحديث عن مستوى أعلى من التدريب فيمكن أن نؤمنه للمعلمين عبر ربط المفاضلة بالحصول على شهادة تثبت استمرار صلاحية المتدرب للتعليم، يتم خلالها إلزام المعلم بالعمل جزئيا وبالتفرغ يومين أسبوعيا للحصول على تدريب نظري وعملي ضمن برامج كليات التربية كشرط لتجديد رخصة مزاولة المهنة، والتي أترقب بالمناسبة بفارغ الشغف البدء في إصدارها للمعلمين والمعلمات. خلال هذا التدريب سيقابل المعلم المتدرب صنوفا من الشخصيات المختلفة التي يتطلب التعامل معها سياسات مختلفة، فيجتمع له النمو المعرفي والمهني والاجتماعي. هذه المقترحات يجمعها الشغف وحب العلم والإنجاز والتعلق بالتعليم كمهنة وقيمة وليس مجرد وظيفة ومصدر للدخل، في هذا البرامج سيتبادل المعلمون الخبرات كما سيظلون في حالة تعطش للمعرفة واكتساب لها وسباق مع طلابهم في تحصيلها وتجديدها، لأن أخطر المعلمين على التعليم هو من لا تزيد معرفته عما يحتويه الكتاب المدرسي كما يقال.
هذان النموذجان، والأول على الأخص، لا بد أن يسبقه تخطيط وتحديد للاحتياجات التدريبية للمستفيدين، وإعداد للحقائب التدريبية المتجددة حتى لا يقع المعلمون في حرج رفض الترشيح للبرامج، لأن البرنامج المعروض لا يناسب احتياجاتهم لسبب أو لآخر.
مع هذين الخيارين في التدريب كأمثلة هل ما زال تدريب المعلمين في الصيف هو الحل الأفضل لمشاكل وتحديات التعليم التي لم يخلقها المعلم من الأساس؟ سؤال يستحق محاولة الإجابة عنه بصدق وتجرد.