لم يتوقع الكثيرون النتيجة التي حصل عليها تيار المستقبل في الانتخابات النيابية التي انتهت إلى حصول حزب الله وحلفائه على حوالي 68 مقعدا في البرلمان الجديد، وهو أكثر من نصف عدد نواب المجلس المكون من 128 نائبا، بينما حصل الثنائي الشيعي وحده على 27 نائبا.
في البرلمان الجديد كل الأحزاب حصلت على عدد أكبر من النواب إلا التيار الأزرق فقد خسر أكثر من 10 نواب، ومع ذلك اعتبرت قيادته أنها حققت فوزا في هذه الانتخابات، فلو نظرنا مثلا إلى تكتل التغيير والإصلاح فسنجد أنهم حصلوا على 29 مقعدا في البرلمان الجديد بزيادة 8 نواب عن الدورة السابقة، بينما القوات اللبنانية حصلت على 16 نائبا، وهو عدد أكبر من عدد نوابهم في البرلمان السابق.
الوحيد الذي اعترف بالخسارة هو وليد جنبلاط المتلون والمتقلب على حلفائه وعلى نفسه، فهو وللمرة الأولى لم يجد أحدا ليجلده ويتخلى عنه، فجلد نفسه وحزبه، واعتبر أن نتيجة الانتخابات لم تأت بالنتيجة المرجوة، والسبب الرئيسي لذلك ليس وجود منافسين له في الجبل فقط، بل بسبب كثرة تقلباته وتنقلاته من ضفة إلى أخرى، بعد أن هدم مشروع 14 آذار بتحالفاته الخشبية هنا وهناك مع حلفاء إيران والنظام السوري.
اليوم خسر من كان يمثل الطائفة السنية عددا كبيرا من النواب في البرلمان، وكان سعد الحريري قد تحدث عن اتجاه للمحاسبة، محاسبة مسؤولين في تيار المستقبل على تقصيرهم وتسببهم بوصول التيار إلى هذه الدرجة، ولكن ألم يكن من المفترض أيضا محاسبة أنفسنا في مثل هذه الانتخابات على التسبب بمثل هذه النتيجة؟
لقد دعا الرئيس الحريري أنصاره لإعطاء صوتهم التفضيلي لمن وصفه بـ«صديقه» جبران باسيل، هذا الشخص الذي كان من أكثر المحرضين على الطائفة السنية في لبنان، وعلى مشروع رفيق الحريري، وعلى إنجازات رفيق الحريري وعلى علاقاته الدولية وحلفائه العرب، هذا الصديق الذي دعا الرئيس الحريري إلى دعمه كان من أشد الحاقدين على المملكة العربية السعودية، وأكثر من روج الإشاعات بعد استقالة الحريري في الرياض، جبران باسيل الذي لم يغفر له سنة لبنان حقده وحقد عمه رئيس الجمهورية عليهم، وتطاوله على طائفتهم ووصفهم «بالحيوانات» وبدون جذور وعشاق مال ومتطرفين.
هذه الطائفة الكريمة والكبيرة لم تقبل بكم التنازلات التي قدمها تيارهم الذي وقفوا إلى جانبه لسنوات، ولم يتخلوا عن مشروعه وسياساته ودعموه في أحلك الظروف إلى أن تخلى هو عن الصراع مع محور إيران، وحلفائها في لبنان، وباسم العيش المشترك والوحدة الوطنية وافق على قانون انتخاب سلم فيه لبنان لحزب الله وحلفائه على طبق من ذهب، إضافة إلى التصريحات غير المسؤولة والتحالفات العلنية والسرية التي حصلت والتي جعلت آلاف اللبنانيين، وتحديدا السنة، يقاطعون الانتخابات، فلم يتجاوز عدد من اقترع في بيروت النصف، وبقي النصف الآخر بعيدا يحاسب بهدوء ودون ضجيج على أمل أن يرى تغييرا في الوضع القائم والرضوخ الدائم لحزب الله وسياساته ومطالبه التي يحصل أنها تتحقق في النهاية برضوخ قادة لا يملكون قوة حقيقية للمواجهة والرفض والتمسك بالرأي.
في هذه الانتخابات ظهر بوضوح حجم التكاتف الشيعي وحجم التفكك السني، فحزب الله وأمل عملا على تحالف يساعد الطرفين ويحقق أفضل النتائج لهما في الانتخابات، بينما القيادات السنية كانت في خصومة تتقاتل فيما بينها وتتنازع الأصوات هنا وهناك من بعضها البعض، فيحصل تيار كالوطني الحر أو الأحباش أو أمل وحزب الله على المقعد الانتخابي في هذه الدوائر بسبب التناحر السني على الزعامة والقيادة، دون التفكير بالمصلحة العامة للطائفة السنية في لبنان، والتي لم يقدم لها أحد أي شيء في السنوات العشر الأخيرة، وتُرِكت وحيدة تواجه اجتياح حزب الله لبيروت في 2008 وتهديداته لهم في صيدا وطرابلس بعد عام 2011 ودخوله الحرب السورية، واليوم بعد هذه النتائج في الانتخابات لم يبق لهذه الطائفة إلا رحمة الله، سبحانه وتعالى، وتمسكهم بتحالفهم القوي مع المملكة العربية السعودية ممثلهم الأول في هذه المنطقة.
لقد تنازل تيار المستقبل كثيرا وتخلى عن صقوره، وقيادات كانت شعبيتها طاغية من الشمال إلى البقاع والجنوب، كجمال الجراح، وفؤاد السنيورة، وعقاب صقر، وكاظم الخير، ومعين مرعبي، وغيرهم كُثر، واحتفظ كعادته بمن لا يملكون أي حيثية عند القاعدة الشعبية، وكأنه أي -تيار المستقبل- يقول لجمهوره «أنا لا أسمع، لا أرى أنا أتكلم»، نعم أتكلم كما أراه مناسبا لمصالحي ومصالح النافذين في التيار والمستفيدين والمتسلقين وأصحاب الثروات التي حققوها بعمليات الاختلاس والتزوير والفساد، فهل ستحصل المحاسبة الحقيقية أم أن تيارنا الأزرق بهت لونه وانقلب سحر الخرزة الزرقاء عليه فنحسه وجعله لا يدري من أين تأتيه الضربات المتتالية؟
إن الساكت عن الحق شيطان أخرس، واليوم نتكلم بصوت عال لنقول لكم كفى! كفى تخليا عن مشروع رفيق الحريري، وعن دمائه وتضحياته، كفى تلونا وتغييرا، وكفى تحالفا مع حلفاء حزب الله وتقاربا معهم، كفى إعطاءهم قوانين تناسبهم وتناسب مشروعهم الساعي للسيطرة على لبنان وقراراته، كفى تجاهلا لمطالب الناس وكفى قبولا لتدخلات وشروط حزب الله في كل تفاصيل الدولة اللبنانية، كفى سكوتا عن سلاح الحزب وكفى تقديم تنازلات هنا وهناك، وكأننا أقلية، وتذكروا جيدا أننا أكثرية، ولنا قرارنا وسيادتنا واستقلالنا، لنا شهداؤنا ولن نقبل أن نتحول كما تحولتم إلى أصنام تنسى دماء من ضحى لأجل وصولها للسلطة وبقائها واستمرارها، ومهما كانت محاصصاتكم أولوية فشمس سنة لبنان ستعود وتشرق من جديد، وتكون عنوانا بارزا في المواجهة مع المشروع الإيراني وميليشياته وحلفائهم في لبنان، سيعود لبنان بطائفته السنية سندا قويا للمملكة العربية السعودية وكافة الدول العربية الساعية لمواجهة مشروع إيران والقضاء عليه!
اليوم باختصار.. تركيا وعبر وزير خارجيتها أكدت خسارة المستقبل للانتخابات النيابية، وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو: «تعرفون الحريري وتعرفون أسباب فشله، فعندما نعرف الخطأ نصارح به». وغرد وليد جنبلاط أيضا قائلا: أما وقد انتهت الانتخابات فغريب كيف أن بعض الخاسرين يدّعون النصر والبعض الآخر يلجأ إلى الضجيج الإعلامي بدل احترام القانون، إضافة إلى عشرات المقالات والتحليلات السياسية التي قالت بوضوح إن تيارنا الأزرق قد خسر الانتخابات، ووضحت الأسباب واستفاضت فيها، وبهذا نتأكد أكثر أن وضعنا ليس في أفضل أحواله، وأنه أصبح من الضروري تقديم مراجعة شاملة لسياسات الفشل التي انتهجناها في السنوات الأخيرة، والعودة إلى الطريق المستقيم الذي به نستطيع بناء دولة لا تتنازل لأحزاب إيران في لبنان وسلاحهم غير الشرعي، ولا تقدم الذرائع الواهية لجمهورنا ليتقبل الخنوع والخضوع لمشروع إيران وحلمها في احتلال لبنان وغيره من الدول.
سأختم هذا المقال وأنا على أمل كبير بعودة حقوقنا والتوقف عن تقديم التنازلات العشوائية الرخيصة التي لا تعود علينا بأي نفع ولا مستقبل حقيقي لشعبنا وأهلنا، والرفض القاطع لمعادلة التحالف الذي كان يوما من الأيام رباعيا وأصبح لاحقا خماسيا يضم حزب الله وأمل إلى جانب عون وجنبلاط والحريري.