أعلم جيدا أن هذه المساحة في الصحيفة التي أُعطيت لي للكتابة فيها، ليست مخصصة للحديث عن مطالبات وتقديم عروض، بقدر ما هي مساحة متاحة لعرض الرأي العام، الذي تُقرأ أحداثه على أرضية المجتمع، ويكون انعكاسا لحديث الناس حول قضايا عدة تهمهم في حياتهم، أو ما يدور حولنا من قضايا وأحداث، سواء في محيطنا العربي أو العالمي، غير أني لست بالبعيد عن هذا وذاك، فحديث المجتمع الخميسي في الأيام الفائتة، عن حاجة محافظتهم لإدارة تعليمية منذ زمن وليس الآن، واليوم يعود الحديث عنها إلى الضوء من جديد، خاصة بعد اعتذار وزارة التعليم عن تحقيق حلم أهالي المحافظة في إدارة تعليمية، إذ يرى أهالي المحافظة عدالة مطلبهم بوجود إدارة تعليم بمحافظتهم، قياسا بما توافر لمحافظات أخرى، أقل عددا وأصغر مساحة، ويدعم مطلبهم كثير من العوامل الملحّة التي تدعو مسؤولي الوزارة، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم، إلى النظر في مطلبهم بجدية، بالرغم من رد الوزارة الأخير، الذي تفيد فيه بعدم إمكانية اعتماد إدارة تعليمية للمحافظة، وذلك لانتفاء حاجة المحافظة لها حاليا، بحجة عدم توافر معايير وضوابط فتح إدارة تعليمية بالمحافظة، وإغفالا لما قدمته لجنة كلفت بدراسة هذا الشأن، الأمر الذي أعاد الموضوع إلى واجهة النقاش في الوسط التربوي من جديد، واحتلاله مساحة كبيرة من أحاديث الناس في منطقة عسير، وبالأخص عند أهالي المحافظة.
أنا لا أعلم ما معايير وضوابط الوزارة لاعتماد فتح إدارات تعليمية، ولا أريد الدخول في مقارنات بذكر أسماء محافظات أخرى تصغر الخميس في مساحاتها، وأعداد مدارسها ومنسوبيها من الطلاب والمدرسين، وقربها من بعضها، ومع هذا فقد حظيت بإدارات تعليم، فكلها بلادنا الغالية من أقصاها حتى أقصاها، لكن لعلي بلغة الأرقام قد أعيد الأمر للوزارة بدرجة واضحة كي تكتمل الصورة لديها، فلعلها تعيد التفكير في حاجة المحافظة لإدارة تعليم، وأن ذلك المطلب لا يعد ترفا حينما يكرر، بقدر ما هو حاجة ملحة كان يفترض وجودها من زمن، وذلك لما قد يلقاه منسوبو تعليم الخميس أحيانا من مشقة البعد والمعاناة في الذهاب إلى مدينة أبها، في بعض الأحيان من أجل الحصول على مشهد راتب يحتاجه معلم أو معلمة، أو مراجعة الإدارة في أمور أخرى قد تخص مدارسهم أو تخصهم شخصيا للحصول على توقيع فقط قد يتطلبه الروتين، ولعل لغة الأرقام قد تشرح الوضع للوزارة بشكل مختصر، مع علمي أنها قد لا تغيب عنها، ولكن للتأكيد بقناعة من يدعم فتح إدارة مستقلة بخميس مشيط، نظرا لما سيتحقق من جراء وجودها من دفعة قوية لمسيرة التعليم بالمحافظة، وتخفيفا على التربويين بالمحافظة من ضرورة مراجعة إدارة التعليم بأبها، تلك المحافظة التي شهدت افتتاح أول مدرسة نظامية في عام 1359، ولعلها سبقت بذلك مناطق بسنوات عديدة حظيت بإدارات تعليمية.
فمحافظة خميس مشيط لمن لا يعرفها جيدا، من المدن التي يمكن أن يطلق عليها تنمويا بـ«المدن السريعة»، إذ إنها تشهد كل سنة امتدادا في كل الاتجاهات عمرانيا وتجاريا وسياحيا، والجميع يعلم أنها تعد رابع مدينة تجارية نشطة على مستوى المملكة، تمتاز بموقعها الجيد، وطبيعة أرضها شبه المنبسطة، كما أنها تقع في قلب مدن منطقة عسير، وتتسم بأجواء معتدلة طوال العام، وبخاصة في الصيف، مما يجعلها من المدن المفضلة التي تجذب السياح إليها من داخل المملكة ومن دول الخليج، تزيد مساحتها على 800 كلم2 ويسكنها ما يقرب من المليونين نسمة مع القرى والهجر والمراكز التابعة لها، يزيد عدد أحيائها على الثمانين حيا، ويتبعها عشرة مراكز هي «تندحة، وادي ابن هشبل، يعرى، الجزيرة،، الرونة، العمارة، الصفية، الحيمة، خيبر الجنوب، الحفائر»، هذه المحافظة إذا ما فتشت في أوراقي التي تحاول توثيق شيء من تاريخ تعليمها، والتي أجدني مضطرا إلى تحديثها بين فترة وأخرى، فأجدها تحكي بأن فيها 600 مدرسة للبنين والبنات، يدرس فيها حوالي 120 ألف طالب وطالبة، نسبة كبيرة منهم من أبناء المرابطين والشهداء، إضافة إلى أبناء النازحين من المدن الطرفية، يقوم على تدريسهم 12000 ألف معلم ومعلمة، هذا العدد الكبير الذي ينتشر على رقعة واسعة من مدارس المحافظة، تفصلها مسافات كبيرة ومتباعدة، تخيلوا بعد هذه الأرقام، أنها تخضع لإشراف مكتبين تعليميين فقط، واحد للرجال، والآخر للنساء، قوامهما من الإداريين والمشرفين التربويين والمشرفات التربويات 210 منسوبين، يقومون بالإشراف على المدارس التابعة للمكتبين في داخل المحافظة والمراكز التابعة لها، ويراجعها عشرات المراجعين يوميا لإنهاء متطلباتهم، مما يفوق طاقة المكتبين، بلا أدنى شك أن هذا الأرقام مؤكد أنها ستجعل المسؤولين عن التعليم ينظرون مرة أخرى إلى جدارة المحافظة بإدارة تعليم مستقلة، ستسهم في دفعة عجلة التعليم في جزء غال من بلادنا الحبيبة، وستعمل على توفير كافة احتياجات مدارسها ومنسوبيها، وتسهم في سرعة الإنجاز، وتسهل أخذ الكثير من الإجراءات والقرارات، بحسب ما سوف تقتضيه صلاحيات إدارات التعليم، وهذا سيوفر الجهد والوقت على منسوبي التعليم بخميس مشيط، وسيخفف العبء على إدارة التعليم بأبها، هذا إذا ما أخذنا في الحسبان سرعة تنامي المحافظة تنمويا وحضاريا، وفي ظل ما تشهده من إقبال كبير في مجال الاستثمارات التجارية والسياحية، وقد بدأنا نلمس ذلك من سنتين تقريبا، وما سوف تستقطبه من أعداد العاملين والقادمين إليها، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، نظرا للتوسع السريع الذي تشهده خميس مشيط.