الأمية الإعلامية هي حالة قد يصاب بها الشخص حتى لو كان قادرا على الكتابة والقراءة، فالتعليم الإعلامي يساعد الأفراد على تعلم النقد والمقارنة والتحليل للمحتويات الإعلامية التي يستهلكونها بشكل دوري ومستمر، ومحاولة التلقي المعرفي من مصادر عديدة ومختلفة. وفقا للرابطة العالمية لمحو الأمية الإعلامية National Association for Media Literacy Education يمكن تعريف منهج تعليم الإعلام بأنه: تمكين الطلبة والطالبات بمختلف أعمارهم من الوصول والتحليل والتقييم والصناعة والرد باستخدام كافة وسائل الاتصال والإعلام الممكنة. وأول نقطة من التعليم الإعلامي تكمن في توفر الأجهزة والتقنيات والقدرة على استخدامها بشكل شعبي واسع، وأحسب أننا نملك ذلك في السعودية، فوفقا لإحصائية سكانية أجرتها مجلة «الرجل» مؤخرا هناك 30 مليون جهاز ذكي في السعودية بنسبة 110% مقارنة بعدد السكان. أما النقاط الأخرى المرتبطة بالتعليم الإعلامي وهي التحليل والتقييم والصناعة والرد فيمكن العمل عليها بشكل أكبر بما يتوافق مع الأهداف الوطنية والمصلحة العامة، وأحد أفضل السبل نحو تحقيق ذلك هو تدريس الإعلام كمنهج دراسي لطلبة الثانوية والمتوسطة.

إن دولا متقدمة مثل بريطانيا تسمح بوجود الإعلام في المناهج الدراسية للطلبة النشء بشكل اختياري منذ سنوات، وهناك ما يقارب 10% من الطلاب الإنجليز يختارون الإعلام كمنهج دراسي من بين اختيارات منهجية أخرى.

هذه النسبة تزداد في دول أوروبية أخرى لما يقارب الثلاثين في المئة، تقول الباحثة والبروفيسورة الأميركية «رينيه هارت» عضوة جمعية المكتبات الأميركية لسياسة المعلومات والمختصة بالتعليم الإعلامي، إنه على المبتدئين في التعلم الإعلامي النظر لخمسة أمور عند استهلاكهم أي محتوى إعلامي:

1- من صنع هذا المحتوى؟ 2- ما الوسائل المختلفة لإقناع المستهلك بهذا المحتوى؟ 3- ما القيم والأيديولوجيات والتمثيلات النمطية التي ينقلها هذا المحتوى؟ 4- كيف يقرأ الناس المختلفون عمريا واجتماعيا وثقافيا هذا المحتوى؟ 5- ما الذي يفقده أو يفتقر له هذا المحتوى؟ وتضيف الباحثة: ينبغي أن تتمحور مناهج تدريس الإعلام حول هذه الأسئلة الخمس، ذلك أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تجعل من المستهلكين أكثر وعيا وقدرة على النقد.

بالتأكيد ليس جميع الناس سيتمكنون من الوصول للإعلام بشكل متساوٍ وتحليله ونقده والرد عليه بنفس مستوى الوعي، ولكن يظل تدريس الإعلام كمنهج دراسي منذ سن مبكرة وسيلة قادرة على جعل الطلاب والنشء أكثر قدرة على المواجهة والنقد، وسيمكنهم تدريجيا من التعاطي التفاعلي مع المحتويات الإعلامية، بما في ذلك النصوص المكتوبة والأفلام والمسلسلات والأغاني وغيرها.

هذه المرحلة من الوعي التعليمي بالإعلام تتنافى مع الاستهلاك السلبي الغيبي Passive consumption وما يسمى بمفهوم الرصاصة السحرية. فعلى سبيل المثال سوف تقرأ المرأة المتعلمة إعلاميا تمثيلها السلبي في الشاشات بشكل أكثر نقدا مقارنة بغير المتعلمة إعلاميا، سوف يقرأ الفتى المراهق مشاهد العنف في الإعلام بشكل أكثر اتزانا من ذاك المراهق الأميّ إعلاميا أو الذي لم يدرس الإعلام بشكل منهجي، وهكذا دواليك، فإن التعليم الإعلامي الممنهج يساعد كل فئة في المجتمع على النضج والتمكن من الاستقلالية القرائية للمحتويات التي يتم عرضها إعلاميا، مما يجعل الحياتين الثقافية والاجتماعية صحية وسليمة وأقل عرضة للتأثر السلبي. ولذلك يعد تدريس الإعلام كمنهج دراسي لطلبة المرحلة الثانوية والمتوسطة خطوة في الاتجاه الصحيح، ولعل طرح مادة الإعلام للطلبة النشء لدينا ولو بشكل اختياري، سيسهم في توعية الطلبة والطالبات بكثير من الإشكالات الجدلية اجتماعيا وثقافيا، كما أنه سيسهل الطريق على الراغبين منهم في دراسة الإعلام كتخصص جامعي.