«اللي ما ياكل بيده يجوع» مثل بدوي.
عادة ما أبدأ المقالات بمقولات عالمية، لكن أردت هذه المرة أن أبدأ بمقولة بدوية، لسببين السبب الأول: أننا لسنا نشعر بالنقص أن أصولنا بدوية كما يعتقد بعض العرب، بل هو مصدر فخر، والسبب الآخر أن هذا المثل رغم قصره يشرح الموضوع برمته.
عندما كتبت تغريدة وهاشتاق «السعودية أولا» قبل ما يقرب من العام ونصف العام البعض لم يحبذ الموضوع، واعتقدوا أنه يقارب لتيار الرئيس الأميركي ترمب الذي كان في بداية عهده في البيت الأبيض، خلال سنة ونصف تغير السعوديون كثيرا وأصبحوا مع أحداث المنطقة أكثر إدراكا لعمق شعار «السعودية أولا»، خصوصا بما رأيناه من أحداث وتقلب بعض الجيران حولنا أكثر من تقلب ألوان الحرباء، لا شك أن دعوة المستشار سعود القحطاني للمشاركة كان لها دور مهم جدا في بلوغ الهاشتاق لترند عالمي، لكن لو لم يكن السعوديون مقتنعين بالفكرة لما وصلت المشاركات إلى مئات الآلاف.
السعودية أولا لها شقان، أحدهما داخلي والآخر خارجي، وسأبدأ بالشق الخارجي، للأسف، سواء أردنا أو لم نرد، بعض العرب، خصوصا بعض عرب الشمال، ما زالوا يحملون الفكرة ومعشعشة في بعض الرؤوس أن السعوديين عبارة عن مجموعة من البدو غير المتعلمين أعطاهم الله نعمة البترول، ولا يعرفون يتصرفون بها، وأنهم هم عرب الشمال المثقفون الذين يجب أن يكونوا قادة العرب! قد لا يقولونها أمامكم لأنه إما محتاجون لهؤلاء البدو -كما يدعون- بأن يعملوا في إحدى دول الخليج ولا يريدون المغادرة، أو محتاجون لبعض المساعدات والدعم، لكن ما زالت الفكرة موجودة من واقع المخالطة في الخارج، خصوصا في دول الاغتراب لبعض عرب الشمال، وهو أكثر صراحة في الدول الغربية لأنهم لا يحاولون التقية فإنهم يقولونها بالفم المليان يسموننا بدو النفط، بغض النظر عن كل شيء، ولنتكلم بشكل عملي، ماذا أحضر بعض عرب الشمال للأمة العربية غير الشعارات الفارغة والقومية المريضة والفساد والانهيار الاقتصادي والهزائم العسكرية. دائما نسأل أعطونا إنجازا واحدا لبعض عرب الشمال غير الحكي، إن كانوا يتحججون بالنفط، سنغافورة وسويسرا واليابان بدون نفط وهي متقدمة صناعيا وعلميا، إذا كنتم أيضا تتحججون بالنفط، فالمهارة هي كيف تستغل ثرواتك بأفضل طريقة، انظروا إلى فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي بالعالم، ولكن الشعب يبحث عن الأكل في القمامة، أكرمكم الله، ومستوى خط الفقر أكثر من نصف الشعب، انظروا لإيران عندها ثروات والشعب الإيراني يرزح تحت الفقر والبطالة أكثر من ثلث الشعب الإيراني يعاني فقرا مدقعا. بينما الدول الخليجية أصبحت المقصد الرئيسي لكثير من الحالمين بالعمل والحياة ذات المستوى العالي. المسألة ليست ثروات بقدر ما هي إدارة ثروات، ولو أعطي بعض عرب الشمال بعض الثروات الطبيعية لما عرفوا كيف يستغلونها ودمروا شعوبهم كما هي عادتهم بشعاراتهم الجوفاء. للعلم مستوى المعيشة (اهتش دي ايه) والتعليم وبراءات الاختراع حسب الإحصاءات الدولية من الأمم المتحدة وغيرها أفضل بمراحل في الخليج من كثير من كل الدول العربية، وهذه الأمور لا يمكن شراؤها بالمال، لكن تحتاج عملا وفكرا وليست شعارات.
الشق الثاني من شعار «السعودية أولا» داخليا، للأسف من أسباب الضعف في فترة العقود الماضية لشعار «السعودية أولا» بعض المسؤولين، كمثال واضح الإعلام، أحضروا بعض بياعين الكلام من عرب الشمال على أنهم قادة فكر وقربوهم وبدؤوا يتفلسفون دون معرفة، وأصابهم الغرور حتى أحسوا أن السعودي لا يمكن أن يكون مفكرا، وفي عدة حالات انقلبوا ضدنا عندما أقفلت حنفية المال، وجزء من الخطأ يقع على الإعلام السعودي في تلك الفترة، صار إلى حد ما ملعبا، ولا يتخذون أي مبادرات جديدة حتى تأتيهم التعليمات أو التوصيات، بينما كان إعلاميو عرب الشمال يأتون بمبادرات جديدة وأساليب مختلفة حتى لو كانت فاشلة، مما أعجب بعض المسؤولين، ولا ننسى أن الكلام المعسول له دور، بينما الإعلام السعودي في تلك الفترة كان بيروقراطيا كأنه دائرة حكومية بصادر ووارد، لا ينتج شيئا إلا بوجود توصيات، ووضع على نفسه حواجز غير مرئية ما أنزل الله بها من سلطان، خوفا أن يفسر الموضوع بشكل أو بآخر، وأستغرب صراحة من مبدأ سد الذرائع بالصحافة والإعلام سابقا، الواجب أن تكون «كن حرا ومستقلا ومبدعا في تفكيرك»، لأنها أساس الإعلام السعودي القوي المؤثر، وإذا تجاوزت الخطوط لا تخف سيأتي من ينبهك. قابلنا كثيرا مما يقال لهم مفكرو عرب الشمال، سواء المغتربين أو الموجودين، ولم نسمع أي أفكار غير اعتيادية أو مبهرة أو فيها إبداع، أما علاقاتهم ومصادرهم بالخارج (من باب قال محدثي، وحكى لي مصدر حساس) فأغلبها «سوالف قهاوٍ».
مثال آخر كان عرب الشمال في السنوات السابقة يعيروننا فيه، وهو أنا سفارتنا فيها كثير من الموظفين الأجانب من عرب الشمال، لو كان هناك سعوديون مؤهلون لِمَ لم تتم تغطية شغل سفارتكم وملحقياتكم؟ وكنا نعرف الإجابة، لكن نسكت، بعض المسؤولين في السفارات وقتها كان إلى حد ما ضد توظيف السعوديين المؤهلين من خريجي البلد، حتى لا تظهر عدم كفاءته وعجزه، تجده خريج اجتماعيات وبالواسطة دخل الخارجية، ولغته الوحيدة الإنجليزية «مش الحال»، ويعتذر بالخبرة، يا عزيزي «وش خبرتك غير ودع واستقبل وصادر ووارد وشوية تطبيل»، ما المباحثات التي أجريتها أو الأزمات التي قمت بحلها أو العلاقات الكبرى التي نسجتها؟ بعضهم يعين لسنوات في بلد ويخرج ولم يعرفه إلا بواب السفارة، ويتحجج بالخبرة، كنا نتكلم لبعض السفارات ونقول: فلان من الناس سعودي وممتاز وتخرج في نفس البلد وعارفها ويبحث عن وظيفة شغلوه عندكم، وتأتينا الحجج كثيرة وفي نفس الوقت نشاهد توظيف بعض عرب الشمال على قدم وساق. كنا نعرف الإجابة والرد على عرب الشمال، لماذا السعوديون لا يديرون الوظائف بالسفارات -ليس نقصا في قدراتهم بدون شك- ولكن نسكت من باب المثل البدوي «إن رفعتها للشارب وإن طمنتها للحية»، مهما كان هؤلاء ربعنا وهؤلاء ربعنا ولا نريد نشر الغسيل.
لا أعرف لماذا بعض المسؤولين ورجال الأعمال يحبذون الأجنبي على السعودي، هذا ابن بلدك وما حك جلدك مثل ظفرك، الكلام المعسول من بعض عرب الشمال هو ربما تقية ممكن يقلب عليك برمشة عين، والسعودي ليس ناقص مهارات كما كانوا يدعون سابقا، لدينا شباب مثل الورد، خريجون من أفضل الجامعات في أميركا والعالم، ولديهم مهارات عديدة وحماس للعمل، ويحتاجون فقط دعما من الجميع، السعودية أولا ليست شعارا، بل عمل وأكررها، بل عمل وأفعال في كل المجالات، مصلحة المملكة مقدمة على جميع الاعتبارات، وليس هناك عيب في ذلك.