أنا أعلم أنه لا يمكن لي في مقالة واحدة أن أصف بسالة أبطالنا جنود الوطن الأشاوس، أو أتحدث عن فروسيتهم وإنسانيتهم في ميادين القتال، والتي تعكس أخلاقيات الجندي السعودي المسلم، ومدى التزامه بأخلاقيات دينه، وواجبه الديني والوطني حينما ينادي المنادي، ويأمر القائد للتصدي للعدوان، أو أنقل صورا من صمودهم البطولي على كل الحدود وفي الثغور، مقبلين غير مدبرين، وبالأخص جنودنا هناك في الحد الجنوبي الذي يشهد معارك شرسة يومية مع عدو غادر خائن لا يمكن الوثوق به لم يعرف قيمة الجوار، ولم يثمن مواقف المعروف والجميل التي قدمتها بلادنا المملكة العربية السعودية لليمن الذي لم يعرف أهله عنها إلا كل فعل خيّر، والتاريخ يشهد بهذا.

جنودنا السعوديون هناك في كل لحظة يسطرون أروع التضحيات والفداء للذود عن حمى الوطن، ويقدمون دروسا للعدو الحوثي الإيراني ومن يسانده في كيف يكون حب الأوطان، وكيف تفدّى بالغالي والرخيص. يصدق فيهم قول عمرو بن كلثوم «ونبطش حين نبطش قادرينا» لا تحدهم وعورة التضاريس، ولا تصدهم صعوبة الجغرافيا، جنود روحهم القتالية عالية، يدفعهم في ذلك إيمانهم بالله، ثم حب الوطن، وإيمانهم بأنهم يدفعون العدوان عن أقدس الأوطان وأطهر البقاع، الوطن الذي يحتضن في ثراه مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث بيت الله المحرم، وقبر نبيه -صلى الله عليه وسلم- فجزاهم الله عنّا خير الجزاء، ووالله وأقولها صادقا: ما منّا أحد من أبناء الوطن السعوديين الأوفياء إلا ويحدّث نفسه في كل وقت وحين، وهو يسمع بقصص البطولة عن رجالنا الأبطال في الحد الجنوبي، أن لو كان معهم وبينهم، يشاركهم شرف الدفاع عن حدود الوطن، وينال مثلهم تلك المنزلة العظيمة التي حظوا بها، ولعل سمو أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، وفقه الله، قد عبّر عن تلك المشاعر التي تسكن في قلب كل سعودي، وكأني به يعكس أحاسيس كل مواطن غيور على وطنه حين قال «ما قد تمنيت إني أكون موجود.. إلا على حد الوطن عين صياد / حتى ولو خانتني البيض والسود.. يا ليتني معكم على الحد بزناد» وقد صدق والله، إنها أمنية كل سعودي قلبه على وطنه، أن لو كان هناك في الحد الجنوبي مع الأبطال.

فسلام الله عليكم يا جنود الوطن في الحد الجنوبي، وكل حد من بلادنا الحبيبة، سلام عليكم حين تمسون وحين تصبحون، نحن نعلم علم اليقين أنكم تقومون بالواجب خير قيام، ونعلم كل العلم أن كل كلمات المديح لن توفيكم حقكم من الثناء عليكم مهما كتبنا، ولن نقوى على تصوير حجم الشكر لكم على واجبكم الديني والوطني مهما قلنا، وهو واجب مقدس، فبعدد ذرات رمل بلادكم نشكركم، ومهما أرسلنا فيكم قوافي الشعر أو رفعنا أصواتنا بكل ألوان القصيد وألقيناها على أسماعكم، فلن نعبّر عما نحمله لكم من حب ووفاء قد طويناه لكم وسط قلوبنا، فقبلاتنا نطبعها على جباهكم الطاهرة التي لم ولن تسجد لغير الله.

نحن نعلم أننا حين تغمض أعيننا تظل أعينكم ساهرة تحرس الوطن والمواطنين، ونعلم أن لا شيء يثني عزيمتكم مهما تقلبت أحول الجو، أو تغيرت ظروف المناخ، فأنتم تعشقون الدفاع عن وطنكم في كل حين، لا يفت في عضدكم برد ليل قارس، أو هجير نهار لافح، ونعلم أنكم تسحقون كل عدو يقترب من حدود الوطن الذي حولتموه إلى مقبرة للغزاة الغادرين، فالله ينصركم، ومع اقتراب نفحات شهر القرآن التي بدأت تهب أنسامها، نريد أن نشعركم بكلمات ودعوات تنبع من صميم قلوبنا نحوكم، علّها تخبركم بصدق أننا معكم وندعو لكم، فالدعاء هو سلاح المسلم في الأزمات وعند الملّمات بأن يحقق الله لكم النصر، فهو نصر للوطن، والظفر من عدوكم الجبان الذي بدأ يتهاوى ويُكسر، وتتساقط أحلامه في قيام فرع لبلاد فارس في بلاد العرب، ولتعلموا أنكم في قلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أعزه الله ونصره، والد الشعب السعودي الكريم، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وفقه الله، وفي قلوب كل قيادات الوطن والشعب، فهم معكم على الدوام في السؤال والحال، يتقصون أخباركم، ويفتشون عن أوضاعكم، ويرفعون من معنوياتكم، ويشعرون بعظيم تضحياتكم، ويشيدون ببطولاتكم وأنتم تلقّنون العدو دروسا قاسية، ولدى قادتنا ثقة كبيرة بالله ثم بكم يا جنودنا، في أن دون الوطن رجال يصدق فيهم قول الله تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدوا اللَّهَ عَلَيْهِ»، فأنتم رجال لا تبالون بالموت أو على أي جنب كان مصرعكم، وأنتم في سبيل الله سبيل الحق والصراط المستقيم، فالأهم ألاّ يدنس ثرى الوطن أقدام العدو الحوثي الإيراني الذي سيبقى مدحورا بعون الله تعالى، أو أي عدو تحدثه نفسه للمساس بأمننا، وإن فكر، فسيجد دون الوطن رجالا أرواحهم على أكفهم، جاهزين له بالمرصاد، وقد عاهدوا الله على أن يبقى الوطن شامخا مرفوع الهامة.

لهذا، يا جنودنا الأبطال في الحد الجنوبي وكل حد من حدود الوطن الغالي، يحق لنا أن نفخر بكم ونباهي، ولن نتوقف من أن ندعو الله لكم أن يسدد رميكم وينصركم ويثبت أقدامكم، فقد خلّدتم أسماءكم في سجلات الشرف والبطولة، ومسؤوليتنا جميعا أن نبقى أوفياء لكم، فأنتم من دروس الوفاء في الوطن، ومن دروس الصبر والفداء والتضحية، ستبقون حكايات مروية للأجيال خالدة يتناقلونها جيلا إثر جيل، ولحن الشجاعة يتردد صداه بين جبال وأودية الوطن، وقد خرجت من حناجركم كأصوات الرعد القاصف، لتزلزل الأرض من تحت أقدام العدو، وأنتم ترددون «كلٍ حمل للوفي شاره..على الحدود الجنوبية / تحت أمر سلمان وشعاره.. خليجنا والسعودية / الحرب لا اشتدت أوزاره..حنا هل الحرب والهيّة / من لا احتمى دينه وداره..ماله سوى حدّ جنبية / تقصّ يمناه ويساره.. ويشطب على اسمه وطاّريه/ للبحر في الحرب بحاره..تحكم لها خطوط بحرية/ ناقف على الحد جساره..ونقابل الموت رجلية/ طيارنا فوق طياره.. قدم الصفوف الأمامية».

وقبل الختام، أقول إن لنا شهداء لن ننساهم، فجزاهم الله عنّا كل خير، فقد صنعوا لنا الحياة والمجد ثم غادروا إلى رب كريم، رب وعد الشهداء الذين قضوا في سبيله مجاهدين للحق وبالحق أن لهم جنات عرضها كعرض السموات والأرض، فجزى الله شهداء الوطن عنّا كل خير.

نعم، رحلوا لكن سيبقى حقهم علينا، أنه كلما تذكرنا بطولاتهم وتضحياتهم التي قدموها، من أجل أن يبقى الوطن آمنا، ونبقى نحن في بيوتنا مطمئنين، وفي مقار أعمالنا سالمين، وفي كل الأماكن والمواقع آمنين على حياتنا، أن نعلم ونتعلم بأنهم قد وضعوا في رقابنا «أمانة» هي بمثابة رسالة منهم إلى كل من تركوهم خلفهم من زملاء وأبناء والشعب كافة، مفادها «الدين والوطن أمانتكم» التي تركنا من أجلها بيوتنا، أسرنا، أولادنا، وتسابقنا لشرف الدفاع عنها، وصد كيد الأعداء، فلا تنسوا أمانتكم، وهكذا يجب أن نتذكر رسالة الشهداء لنا وما أعظمها من وصية، ورحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو يقول في واحد من لقاءاته مع شعبه «دينكم ووطنكم»، وهي نفس وصية ملوكنا منذ المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، إلى عهد والدنا الملك سلمان، أعزه الله ونصره ومدّ في عمره، حمى الله الوطن من كل عدو.