بحكم دراستي بكالوريوس الإعلام والاتصال في بريطانيا، وعيشي تجربة الغربة في وقت مبكر نسبيا، تعلمت النظر إلى كثير من الأمور من زاوية مختلفة وفريدة، ويمكنني اختصار ذلك في أنه الوعي بالقوالب والتنميطات الاجتماعية.

أقنعني «بينداكرت آندرسون» أن حقيقتي كشخص هي غالبا أمر تم غرسه وبناؤه عبر تكراره على مسامعي وليس بالضرورة ما هو أنا بالفعل.

وأقنعني «ستيوارت هول» أن نظرتي إلى الأمور قد تتغير بحكم التجربة والقراءة والاحتكاك المباشر مع الآخرين. وأقنعني «ارفنغ جوفمان» أنه قد يكون للمرء هويتان: واحدة يظهرها للجميع، وأخرى يحتفظ بها لنفسه.

ولكن السؤال هو: هل يجرؤ الناس بشكل عام على إظهار حقائقهم والحديث عما يجعلهم مختلفين عن السائد، وما يمثلهم بشكل دقيق؟ يقول الباحث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية «سيلستون أوكروجي»، إن قدرتنا على التعبير عن أنفسنا بجرأة وصراحة مرتبطة بمدى الاحترام السلوكي في المكان الذي يعيش فيه الشخص، ومدى تمثيل الاختلاف في المحتويات الثقافية والأدبية والإعلامية.

إن النظر إلى الصور النمطية والقوالب القاسية التي يتعرض لها ذوو الاحتياجات الخاصة والأقليات العرقية والمرأة وكبار السن، وحتى الأطفال في مجتمعنا، يدعونا إلى الإيمان بأهمية وقيمة التنوع الإعلامي، ليس كميزة أو خيار بل كضرورة أخلاقية والتزام قانوني. هناك عدد متواضع من الأبحاث تم إجراؤها حول مدى التمثيل الإعلامي المنصف للمرأة والأقليات العرقية والمذهبية، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الجماعات، وكل تلك الأبحاث أشارت إلى النقص الفادح في التنوع عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة للرقابة والإشراف المتعارف عليه.

لكن السؤال الآن هو: كيف يتم تمثيل الأشخاص المختلفين عن السائد عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تتعرض لرقابة، كالتي تتعرض لها وسائل الإعلام التقليدية؟

في هذا الشهر، مايو 2018، كتب عدد من ممثلي وممثلات حكومة أستراليا الفيدرالية تقريرا عن مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة، بما في ذلك «فيسبوك» و«جوجل» اتهمت هذه المواقع بتدني مستوى التنوع والاختلاف، وعدم معاكسة الآراء السائدة اجتماعيا، مما يجعل قدرة مستخدميها على التعبير عن اختلافهم في مستوى دون المفترض. اتهمت مواقع التواصل الاجتماعي في هذا التقرير باستخدامها أنظمة بيانات ضخمة تقوم بفلترة المحتوى الذي يناسب كل مستهلك، مما يقلل تعرضه لما يعنى بالآخرين المختلفين عنه، والخارجين عن دائرة اهتماماته.

هذا التقرير الذي سيكشف عن تفاصيله بشكل أكبر في ديسمبر من هذا العام، تضمن اقتراح فتح لجنة تعنى بمراقبة أنظمة البيانات الضخمة الرقمية، والآثار السلبية المترتبة عليها. ولعل أحد الأمثلة على سوء استخدام أنظمة البيانات الضخمة، هو ما قامت به شركة «كامبريدج اناليتيكا» الإنجليزية مع «فيسبوك» في تسريب معلومات مستخدمين، خاصة دون إذن منهم، الأمر الذي دعا الحكومة البريطانية إلى إغلاقها وتفنيش العاملين فيها.

من المهم الإشارة إلى الوعي الكبير لدى الحكومات الغربية بالتهديد الذي يشكله الإنترنت على الإعلام التقليدي، وعلى التلقي الجماهيري الذي يدعو إلى التنوع والتعايش.

يمكن القول إنه قد نكون أكثر قدرة وجرأة للتعبير عن اختلافاتنا في حالة كنا حاضرين في المنتوجات الثقافية والإعلامية، وكان اختلافنا هو أمر لا يتنافى مع الاحترام الاجتماعي والسلوكي الذي نحظى به، ولكن تحقيق ذلك كان يعد صعبا قبل سنوات، وقد ازداد صعوبة مع الإعلام الجديد، ومواقع التواصل الحاضرة اليوم في كل مكان وزمان.