أتفهم تماما قرار وزارة التعليم القاضي بإيقاف برامج التعليم الموازي، والتعليم عن بعد والانتساب نهائيا في كافة المستويات الجامعية وفي كل الجامعات التي تعتمده، وهو قرار له أسبابه المنطقية والواقعية من قبيل ضعف جودة المخرجات، وتوسع الجامعات غير المدروس في هذا النوع من التعليم، وغياب التنسيق والتكامل بين برامج التعليم الموازي والنظامي، وعدم مراعاة احتياجات المجتمع وسوق العمل، وعدم إسهام هذا النوع من التعليم في رفع جودة التعليم العالي، وعدم مساهمة مخرجات التعليم الموازي في برامج التنمية المختلفة، إضافة إلى تكدس خريجي هذا النوع من التخصصات دون الحاجة إليه.
ولكن السؤال المطروح: ما هي البدائل المتاحة؟ ما هي الخيارات المتوفرة لمن لديه رغبة في إكمال تعليمه، ولا يستطيع الانضمام للتعليم التقليدي لأي سبب من الأسباب؟
نحن نعلم أن هذه البرامج جاءت في بدايتها نتيجة رغبة كثير من الطلبة للدراسة على حسابهم الخاص، وذلك لعدم حصولهم على القبول في جامعات المملكة، حيث توجت تلك الجهود بصدور الموافقة السامية على القواعد التنظيمية لبرنامج التعليم الموازي بنفس مواصفات البرامج الصباحية، على أن يدفع الطلبة الرسوم لهذا النمط من التعليم.
ما يهمني هنا هو التشديد على الحق في التعليم باعتبار التعليم كسائر الحقوق الإنسانية ومنها ما ورد في نص المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تشير إلى أن (لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون في التعليم الأولي إلزاميا، وينبغي أن يعمم التعليم المهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة)، وكذلك ما نصت عليه المادة (29) من النظام الأساسي للحكم (ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة وتعنى بتشجيع البحث العلمي وتصون التراث الإسلامي والعربي وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية)، وبالتالي فإن تشريع المملكة لم يخرج عن الإطار الواسع لحق التعليم باعتباره كسائر الحقوق الأخرى التي لا يمكن أن تمارس دون الارتكاز على مبادئ العدالة والمساواة، وذلك ما نصت عليه المادة 26 التي تؤكد التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، والمادة 8 التي تؤكد على مبدأ العدل والمساواة بين المواطنين.
ما أود قوله هنا أن كل القرارات الصادرة لا بد أن تستوعب هذه المفاهيم الحقوقية الإنسانية، وبالتالي على وزارة التعليم أن تجد بديلا لــ15 جامعة من أصل 24 التي أوقفت القبول بنظامي التعليم عن بُعد والانتساب والتعليم الموازي. البدائل المطروحة عالميا وفقا لكثير من الدراسات هو التحول نحو التعليم الإلكتروني المدمج، الذي يعد خيارا أفضل وأقل تكلفة، فهو لا يستثمر كثيرا في المباني الجامعية وما فيه من مصروفات تشغيل وصيانة، ولكن يستثمر بشكل أكبر في المحتوى العلمي للبرامج التعليمية ومخرجاتها، ولعل تجربة الجامعة السعودية الإلكترونية هي خير شاهد على ما نقول، ولكن بالنتيجة نحن نتحدث هنا عن جامعة واحدة فقط.
أخير أقول: كل التنظيمات والقرارات لا بد أن تراعي حق التعليم الجامعي للجميع والذي يستوجب معه طرح كل البدائل انتصارا للحقوق الأصيلة.