للمملكة العربية السعودية ثقلها السياسي والديني والاقتصادي في العالم؛ مما جعلها تضطلع بدور عالمي في مختلف القضايا، ولا سيما على صعيد العالم الإسلامي، فأولت اهتماماً للقضايا المحورية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بطبيعة الحال، واستمر الاهتمام والدعم السعودي لكافة القضايا العربية والإسلامية خلال ستة عهود مضت، سواء فيما يتعلق بالجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الإنسانية، في جميع قارات العالم.
"إننا في هذا المؤتمر لا نغمط على أحد حقه وجهوده ، فلكل جهوده ودوره والأمة تحتاج إلى الجهود كلها، ولكننا فقط نوثق للتاريخ بعض ما قامت به هذه الدولة المباركة من جهود المملكة في خدمة الحرمين والقضايا الإسلامية..." بهذه العبارات ألقى معالي مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا كلمة الافتتاح في المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية، الذي نظمته الجامعة بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين بتدشين من قبل معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، وقد حظي المؤتمر بحضور كبير من مختلف الدول العربية والإسلامية، قُدم فيه أكثر من مئة بحث محكم تم إلقاؤها في تسع جلسات علمية وأربع جلسات حوارية، شهدت مشاركة مميزة من قبل نخبة من مختلف الدول العربية والإسلامية.
وتأتي أهمية توثيق جهود المملكة العربية السعودية انطلاقاً من الأهمية التاريخية للتوثيق، وخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة التي لم تعاصر مجمل تلك الجهود التي لم تكن متمحورة حول العالم العربي والإسلامي، بل شملت العالم بكل منطلقاته الإنسانية واختلافاته الثقافية، وذلك من خلال المؤتمرات التي بادرت المملكة لعقدها والدعوة إليها، كحوار الأديان والحضارات لدعم التعايش السلمي في العالم بين أتباع الأديان الأخرى. ومن أبرز الذين تحدثوا عن الدور السياسي للمملكة، الأمير تركي الفيصل والوزير عبدالعزيز خوجة والأمين العام لمجلس التعاون، والأمين لمنظمة المؤتمر الإسلامي ونائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقد صاحب بعض المشاركات عرض لأفلام وثائقية من إنتاج الجامعة.
ولهذا قدّر البيان الختامي للمؤتمر-ضمن توصياته- ما تقوم به المملكة تجاه كل القضايا والأزمات في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان من أجل تحقيق السلام ووحدة الدول الإسلامية والحيلولة دون محاولات تقسيمها وفضّ المنازعات الأهلية المسلحة بالطرق السلمية والمساعي الحميدة من خلال الدبلوماسية السعودية الهادئة وتوحيد المواقف العربية والإسلامية تجاه الأخطار والأزمات الخارجية.
ولذلك أثنى المؤتمر على جهود المملكة في نشر فكر الوسطية والاعتدال والمعالجة الفكرية للإرهاب، وتمت الإشارة إلى جهود الجامعة الإسلامية في تنظيم وعقد المؤتمر الدولي الأول للإرهاب (مارس 2010) الذي أبرز وسطية الإسلام واعتداله وتسامحه مقابل الخطأ في الربط بين الإسلام والإرهاب. ولم ينس المؤتمرون الجهود الثقافية والعلمية للمملكة ومن ذلك إنشاء ودعم الكراسي العلمية السعودية داخل المملكة وخارجها، مثل كرسي الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا، وكرسي الملك فيصل للفكر الإسلامي والثقافة بجامعة جنوب كاليفورنيا، وكرسي الملك فهد لدراسات الفقه الإسلامي وقضايا المسلمين بجامعة هارفارد، وكرسي الملك فهد لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية بجامعة أركنساس، وكرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بجامعة لندن، وكرسي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد للتقنية الحيوية في جامعة الخليج العربي بمملكة البحرين، ووقف الأمير سلطان بن عبدالعزيز للدراسات العربية بجامعة كاليفورنيا/بيركلي، وكرسي الأمير نايف للدراسات الإسلامية في جامعة موسكو، إضافة للكراسي العلمية الأخرى في الجامعات المحلية.
وخلال الأوراق المطروحة والتوصيات كانت هناك إشارات للدور المأمول للمملكة في (مجموعة العشرين)، ولهذا أستطيع القول إن وجود المملكة ضمن هذه الدول الكبرى المتقدمة دلالة على أهميتها وثقل دورها السياسي والاقتصادي في العالم، وبالتالي يفترض أن يكون هناك دور اجتماعي وثقافي مواز لهذا الدور السياسي، ولكن لن يتأتى هذا الدور إلا بالتركيز على التنمية البشرية، والاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى بما يدعم تقدمنا ويصلح حالنا لنكون فاعلين متفاعلين مع عالمنا.