مروان المعشر*


في الجامعة الأميركية في بيروت ثقافة تبرُّع متأصلة، وهي اليوم بصدد جمع 650 مليون دولار، ضمن حملة تهدف إلى بناء مرافق وبرامج جديدة في الجامعة والتطوير المستمر للتعليم فيها.

من اللافت، أن الغالبية العظمى من هذه الأموال تأتي من خريجي الجامعة من أبناء وبنات المنطقة التي منحتهم الجامعة تعليما نوعيا، كان له الأثر الكبير في صقل شخصياتهم ونجاحهم، فآثروا أن يردّوا إلى الجامعة بعض ما وهبتهم، ويعمموا الاستفادة من هذا النوع من التعليم، وذلك للارتقاء بالمجتمع ككل.

هناك أسباب كثيرة تذكر لتبرير إحجام معظم الأغنياء العرب عن التبرع السخي للتعليم، منها أن العرب يفضلون أن يساعدوا أقرباءهم فقط، وليس المجتمع ككل.

قد تكون هذه الأسباب صحيحة نسبيا، ولكنها تبقى عاجزة عن تفسير أن الغالبية العظمى من المتبرعين للجامعة الأميركية هم من الأفراد العرب، كما لا توجد تبرعات كبيرة للحملة الحالية من أي حكومة عربية أو أجنبية.

إذا كان الحال كذلك، فلا بد من وجود دوافع معينة تعظم من ثقافة التبرع للتعليم لدى الميسورين العرب. أزعم أن الدافع الأول هو نوعية التعليم، فغالب من يتبرع درس في الجامعة، واختبر تأثير هذه الدراسة على حياته ونجاحه، ويريد للآخرين الاستفادة من هذه النوعية.

إن القدرة على تقديم تعليم جامعي نوعي يعطي للطالب أو الطالبة الفضاء المناسب للتفكير الحُر، وينجح في اكتساب الطلاب المهارات الإنسانية والفكرية، وليست التقنية فقط، المناسبة للمنافسة في الحياة، هو ما يُشجع الغير على التبرع. والعكس صحيح. إن كان التعليم الجامعي لا يقدم مثل هذا التعليم النوعي، فمن المفهوم أن يحجم الميسورون عن مثل هذه التبرعات.

أزعم أيضا أن الدافع الآخر هو غياب شفافية الحوكمة والشراكة في اتخاذ القرار لدى غالب جامعاتنا.

الجامعة الأميركية، والتي أنا أحد أعضاء مجلس أمنائها، لديها نظم حوكمة واضحة ومجلس أمناء مستقل، غالبه من أبناء وبنات المنطقة، يتخذ كل القرارات الإدارية والمالية والأكاديمية للجامعة، ضمن منظومة من الحوكمة، تبدأ من أسفل السلم وتؤكد على مشاركة الجميع في اتخاذ القرار المناسب.

في الجامعة الأميركية في بيروت، والتي هي مؤسسة غير ربحية، لا يتغير الرئيس إلا بقرار من مجلس الأمناء، وليس بقرار إداري من الوزير، كما أن أي تعيين لأي منصب كبير في الجامعة لا يتم إلا بعد عملية بحث مستفيضة وشفافة.

كل ذلك يطمئن المتبرع أن أمواله يتم صرفها بالوجه الصحيح، وضمن نظام حوكمة شفاف وتؤدي بالتالي إلى النتائج التي تبرع من أجلها.

نستطيع تعلم الكثير من نوعية التعليم والحوكمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهي التي خرّجت 9 رؤساء وزارات أُردنيين، حتى يصبح التبرع من المجتمع المدني للجامعات الأردنية أكبر بكثير مما هو عليه، وحتى نرتقي بجامعاتنا لتحقيق حوكمة رشيدة تحد من تدخل الحكومات والسياسة في العمل الأكاديمي وتربية الأجيال.



* نائب الرئيس للدراسات بالجامعة الأميركية في بيروت – (مركز كارنيجي للشرق الأوسط)