يا لجمال الشعر ورونقه حينما يكاشف الإنسان ذاته، يتخلى قليلاً عن بريق الحياة وزيفها وإغرائها وإغوائها المخيف، هنا: يطل الإنسان/ الإنسان، متجرداً من كل حمولات الصخب الحياتي، ليبدو ضعيفاً كورقة ورد تتجاذبها الرياح، وتلقي بها في كل اتجاه، لكنها تبقى في النهاية ورقة ورد لا يتخلى عنها الشذى ولا يجافيها الدلال ولا يفقدها استسلامها ما أوتيت من رقة وجمال!.

الضعف الإنساني الذي يتجلى في رؤى شاعر حينما يستحضر النهاية/ الموت، هو الضعف العالي، الضعف الفضيلة، الضعف التاج على رأس صاحبه، فتقطر الكلمات صدقاً وعذوبة وإحساساً وفكراً لا كالأفكار المصطنعة أو الشعارات المكرورة.

هكذا كان موسى حوامدة في قصيدته (حين يأتي الموت)، التي ضمتها مجموعته الشعرية (موتى يجرون السماء) التي ستصدر قريباً عن دار "أرابيسك" بالقاهرة، والتي يقول في أحد مقاطعها:

حين يأتي الموت

لن أساومَه

لِيُحرِّضَ المُقرَّبين

على حفلات النواحْ؛

... كُلَّما كان عددُ المشيعين أقلّ

كان ضميري أكثرَ بياضاً،

وكلَّما كانت الدموع أقلّ

كانت أخطائي أجمل.

ويقول في مقطع آخر:

حين يأتي الموت

سأهربُ إلى حضن أمي

ووجهها الناعم؛

إلى يديها الرقيقتين

ونظرتها الغريبة،

سأحملُ لها سريرتي الكاملةَ،

أعترفُ لها بهفواتي العديدة؛

بعجزي عن تحرير رقبتي من دنسِ الشهوات؛

بغفلتي السابقة عن مصادفةِ الحكمة؛

بطيبة التين والزيتون؛

باضطراب الذاكرة؛

بموت الناس، جميعاً،

عند انحسار النعمة.

ويختتم القصيدة بقوله:

اكتملتْ رحلة الأسى،

انكسرتُ بكلِّ بطولتي،

بكاملِ شجاعتي،

بملءِ إرادتي،

وفي كل معاركي الوجودية والحياتية انهزمتُ،

وتلكَ كانت فضيلتي.

كلَّما كان عدد المشيعين أقلَّ

كانت حريتي كاملة.

إيماني بالله حَمَلني بخفةِ الملائكة،

لست في حاجة إلى الملقن والمقرئ؛

لست في حاجة إلى المراثي والنواح،

فلستُ ذاهباً إلى حفلة خداع هناك؛

إنني

عائدٌ

مني

للأزل.

"وفي كل معاركي الوجودية والحياتية انهزمتُ، وتلكَ كانت فضيلتي"!.

يا الله...!. من منا يرى في انهزامه فضيلة؟!، بل من منا يملك جرأة الاعتراف؟!. إنه الشعر الذي حار الخلق في تعريفه!.