الكثير منا يجهل ما أعلنته النيابة العامة مؤخرا فيما يخص عقوبة الجرائم المعلوماتية التي سبق وأن أقرها مجلس الوزراء بعد دراستها من قبل مجلس الشورى، وهذا الجهل يبقي البعض ضحية من لا مبدأ ولا خلق لديه، بحيث يلجأ إلى استغلال وسائل التقنية ومجالها الرحب في تنفيذ مخططاته التي تتركز على أذية أشخاص بعينهم، إما لأنهم اكتشفوا خبثه ودناءته، أو لأنهم حجبوا عنه أمرا كان قاب قوسين أو أدنى من الحصول عليه، وهو في حقيقة الأمر لا يستحقه، أو هو لآخرين وكان ينوي الاستيلاء عليه بطرق ملتوية، وحتى ينفذ ما عقد العزم عليه فذلك لا يكلفه شيئا، فقط شريحة هاتف جوال مجهولة الاسم، أو حساب وهمي في أي من وسائل التواصل الاجتماعي ليبدأ بعدها في عملية التهديد والوعيد، بأنه سيفعل ما لا يخطر على البال من أصناف التشهير والابتزاز والوعيد بالتصفية الجسدية أو الاجتماعية، بإثارة الأقاويل والإشاعات حول هؤلاء المستهدفين، ليظهرون في الأوساط الاجتماعية منكسرين أذلاء يتوارون عن الأنظار بعد أن لوثت سمعتهم بأباطيل وأكاذيب افتعلتها تلك النماذج الخبيثة.

وبعضهم إن لم تفلح خططه في مسألة التخفي واللعب على وتر المجهول الذي عرف منه ما لا يخطر على بال بشر، يلجأ إلى وسائل أخرى كمن يعمد إلى إثارة طرف آخر معه على الهاتف إلى أن يفقد السيطرة على نفسه فتخرج منه بعض الكلمات التي قد تدخل تحت دائرة السب والشتم، ولأن العملية مرتب لها فلا بد أن المكالمة مسجلة ليؤخذ بها كدليل إدانة، ولأن هناك من استفاد من هذه الطريقة بحيث تم الأخذ بهذا النوع من التسجيلات كقرائن في بعض القضايا، فهي من طرق التحايل والابتزاز المنتشرة، والتي تحتاج إلى وقفة جادة، خصوصا هذا النوع من التسجيلات يكون عرضة للتحريف والتغيير قياسا على الموجود من الوسائل التقنية التي تستطيع تغيير وتركيب ومزج أصوات وانفعالات، وحتى صور هي في الحقيقة لا تمت للموقف بصلة، لكن تمت فبركة الواقعة لتصبح كذلك، نعلم أن هناك وسائل يعمد إليها للتحقق من مصداقية هذه الأدلة، ولكن الأخذ ببعضها كقرائن تعزز موقف طرف ما ضد آخر قد يكون فيه إجحاف، لأن الخصوم مهما بلغت قدرة أحدهم على ضبط النفس إلا أن النقاش أو الجدال قد يتطور ليقع أحدهم في الخطأ، خاصة إذا كان جاهلا بنية خصمه المبيتة سابقا.

ما لسنا مدركين له أو ربما لم يخطر على البال أن هذا الفعل المشين أصبح يدار من خلال قروبات مشتركة نسائية ورجالية، ومن مستويات تعليمية ووظيفية مختلفة، وتشترك جميعها في قبح الخلق ورداءته، وهذه المجموعات التي قد تكبر أو تصغر حسب العدد تشترك في خدمة بعضها البعض، بحيث يساعد العضو الأنثوي في الإطاحة بالآخر العدو الذكر، والعكس صحيح، والمحصلة ضحايا كثر وتصفية حسابات بطريقة مقززة جدا، ودون أن يرف لهم جفن أو يدخل في قلوبهم خشية أو خوف من الله أو من بشر قد يكتشف قبحهم، بل بعضهم يمضي بظلامته مزهوا والاطمئنان حاصل من عدم المحاسبة، خاصة والعديد من الضحايا قد يبلعون الأذية في صمت وتعتيم لما حصل تفاديا لمزيد من الشوشرة والإثارة، وهؤلاء فيما يفعلون يماثلون العصابات والمنظمات الإرهابية التي لا تختلف كثيرا عنهم، فهم في حقيقة الأمر يجتمعون على صفة واحدة، وهي تعمد إرهاب الناس وتهديد أمنهم المجتمعي بما ينتهجونه من أساليب قذرة جدا، وقد ينالون من أبرياء لا حول لهم ولا قوة، وليس لديهم الدراية بكيفية حماية أنفسهم من هذه الأفعال ومن يقف خلفها.

لذلك يجب أن يبصر الناس، صغارا وكبارا، بالطرق الصحيحة التي تحمي ذواتهم وأسرهم من الامتهان والتشهير، وأن يتاح حتى داخل مؤسسات العمل الفرصة للأشخاص الذين يهددون إلكترونيا أو تقنيا من آخرين معهم في المجال من ملاحقتهم قانونيا عن طريق المؤسسة نفسها كنوع من الحماية التي توفرها لمنسوبيها، وألا تقبل دعوى من أي طرف تكون وسيلة التسجيلات الصوتية هي دليله الوحيد على من يدعي عليه، لأنها كما أسلفنا عرضة للتحوير، كذلك الأشخاص الذين قد يبلغهم أن أحدا يدعي ملكية تسجيل صوتي أو مقطع فيديو يظهر فيه مرتكبا سلوكا غير مقبول، يجب عليه هو أن يبادر في الإبلاغ عن هذا الآخر لا أن يظل رهينة الخوف من انكشاف ذلك المجهول، متكئا على الزمن في عملية إخفائه، الكثير من الجبناء والسيئين انتهجوا هذه الطريق في الأذية، ولأن القانون أعطى الحق لكل من تضرر بفعلهم أن يبلغ فيهم الجهات الرقابية وأقر نوع العقوبة، فلم يعد لنا العذر في السكوت، خصوصا وكشف أمرهم سهل للغاية، ومهما تخفوا فالجهات الأمنية قادرة على كشفهم، ومن يقف محرضا لهم ظنا منه أنه سيبقى في أمان يمارس فساده في الأرض تحت شعار المساعدة والدراية بطبيعة الأشياء والأشخاص.