من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلا صغيرا «شيشرون».

كانت الحضارة الإسلامية في الأندلس محطةً لتصدير العلوم والاختراعات والتقدم الإنساني إلى أوروبا والعالم، وقد كانت بحق جوهرة أوروبا في عهود الظلام.

دامت الحضارة الإسلامية في الأندلس 7 قرون في غرناطة، وتفاوتت بين 4 و3 قرون في المناطق الأخرى، إذ بدأت عام 710 ميلادي وانتهت بسقوط غرناطة عام 1492، وسبق سقوط غرناطة بقرون عدة سقوط طليطلة الحصينة عام 1085 كأول الثغور الإسلامية وأعظمها، معلنةً ومحذرةً من سقوط الحضارة الإسلامية في الأندلس، ولكن ملوك الطوائف لم يتعظوا، واستمروا في الاقتتال فيما بينهم، حتى فقد المسلمون أندلسهم الجميلة.

لقد كنت في زيارة علمية إلى مدريد، فاستهوتني فكرة زيارة «طليطلة»، كي أرى أعظم الحصون الإسلامية وجوهرة الأندلس سابقا.

تقع «طليطلة» 75 كلم جنوب العاصمة مدريد، على مرتفع شاهق تحيط به الأودية، وتحاط بسور عظيم منيع زاد من صعوبة اختراقها على مدى التاريخ، وطليطلة مدينة قديمة بالتاريخ بناها وحصّنها الرومان وأصبحت عاصمة مملكة القوط الغربيين، قبل أن يتمكن طارق بن زياد من فتحها.

لقد مزّقت الثورات والتناحر والدسائس الداخلية حضارة إسلامية زاهية أنارت التاريخ بعلومها، وبعد سقوط طليطلة كان تدخل المرابطين بقيادة الأمير يوسف بن تاشفين سببا رئيسيا في تأخير سقوط الأندلس 4 قرون، وخلد التاريخ اسمه بأحرف من ذهب كمنقذ لحضارة سادت ثم بادت.

وفي هذا الزمن، التاريخ يعيد نفسه، فنرى المسلمين متفرقين وممزقين ومتناحرين وزادتهم الثورات غيّا وتفرقة، وعانوا منذ قيام ما يسمى بثورات «الجحيم» العربي، وتشتتوا وضاعت وتمزقت الأوطان والبلدان، فرقت بينهم دسائس الفرس وحولتهم إلى متناحرين طائفيين، حتى أصبح الجار يقتل جاره، والرئيس «الحيوان» يحرق شعبه ويُدار بـ«الريموت كنترول» من عاصمة «الشر» في إيران، كما أنقذ البطل ابن تاشفين الأندلس لبضعة قرون، انبرى ملك «الحزم» لإنقاذ اليمن من السقوط في براثن التشتت والتفكك، ولله الحمد، وليت العرب والمسلمين يتذكرون ويتعظون من سقوط الأندلس التي قال فيها أبوالبقاء الرندي قصيدته العصماء: لِكُلِّ شيءٍ إذا ما تَمَّ نقصانُ /فلا يغرُّ بطيب العيش إنسانُ /هي الأيام كما شاهدتها دولٌ / من سره زمنٌ ساءته أزمانُ.