مجتمعنا سوق ضخم للاستشارات، لكن من الذي يقدّم هذه الاستشارات؟

في بعض الأحيان، يكفي قليلٌ من التلميع الذاتي والتسويق للنفس مع قصة أو اثنتين من المقربين والمقربات، وإثبات حضور «وليس اجتياز» بعض الساعات التدريبية هنا أو هناك، ليطلق الإنسان في مجتمعنا على نفسه بكل جرأة مسمى مستشار، دون أن يجيزه أحد!.

يزداد الأمر تعقيدا وسوءا، عندما تكون هذه الاستشارات بعيدة كل البعد عن تخصص الإنسان الأكاديمي، فيتعامل حينها مع حياة البشر كلاعب روليت، مطلقا رصاصة رأيه الفاشل الخالي من التخصص ومن الخبرة على طالبي الاستشارة.

يتعامل الواعون من المستشارين وطلاب الاستشارة مع الاستشارات بمبدأ أخلاقي مهم، يتلخص في القاعدة الأخلاقية المهمة «المستشار مؤتمن»، لأنه فعلا كذلك.

من استشارك فقد دخل حِماك، وائتمنك على جزء من حاضره ومستقبله، وعندما توهمه أنك أهل للاستشارة وأنت لست أهلا لها، فهذه خيانة للثقة.

للأسف، فوضى الاستشارات وألقابها الفضفاضة انتقلت إلى مجتمع الابتعاث، ربما لا تعرف الجهات التي ترسل مبتعثيها ومبتعثاتها للدراسة حول العالم، أن بعضهم يعمل في مجال الاستشارات الطلابية، ويقرر بكل لائمة نفس أن يشارك المبتعثين والمبتعثات مكافآتهم، بعد أن يسمِّي نفسه مستشارا أو مستشارة في هذا أو ذاك.

بعضهم يسمي نفسه مستشارا أكاديميا، مثلا، وهو في الحقيقة يعمل في السمسرة بين الطلاب والجامعات!، لكن المستشارين الأخطر هم من يروجون لأنفسهم في حقل الاستشارات النفسية والاجتماعية، لتحقيق رغبات أنفسهم الدنيئة في تقصي حكايات البشر، وبناء القصص عليها أو ترويج الادعاءات الكاذبة.

ومن المفارقات أن غالب هؤلاء «المستشارين» فاشلون في القضية التي يقدمون فيها استشاراتهم، لكنهم يعرفون تماما كيف يخفون فشلهم بوجهٍ بارد لا يخجل من الله ولا من خلقه.

ما ورد أعلاه ليس من ضرب الخيال، بل حدث فعلا، وقامت بطلة الحكاية بانتحال مسمى مستشارة في المشكلات الشخصية والعلاقات، دون حتى الحد الأدنى من التخصص، ولأن الغريق يتعلق بقشة، فقد قضت سنوات في الغربة وهي تقتات على القصص والاستشارات، كنبتةٍ طفيلية تغذّي فضولها، حتى أنقذ الله المبتعثين والمبتعثات منها بلطفه، ويبقى الحساب عند الله وأمام الله.

لا خلاف طبعا على أن من وثقوا فيها بلا تحقق من مؤهلاتها سهّلوا لها استغفالهم، الحقيقة أن الإنسان السوي لا يمكنه أن يتخيل احتواء نفسٍ واحدة على هذا الكم من الشر والوضاعة، لكنه للأسف موجود. لذلك ربما من الحكمة أن نتوقع من الإنسان الأسوأ حتى يثبت لنا عكس ذلك.

ختاما، لعله من نافلة القول: إن سوق الاستشارات لدينا -ككل- يحتاج تراخيص ومتابعة من الجهات المسؤولة، ومساءلة كل من سمى نفسه مستشارا، عن مؤهلاته، لتحجيم هذه الفوضى.

في المقابل، علينا كمستهلكين أن نتوخى الحرص، فكما نلجأ إلى أكثر العيادات تخصصيةً عندما تشتكي أجسادنا، علينا ألا نبخل على أنفسنا باستشارة من هم جديرون بوقتنا ومالنا وثقتنا، إذا احتجنا إلى استشارة أكاديمية أو شخصية أو اجتماعية.