«زمن الطيبين راح»، جملة تتردد على مسامعنا على الدوام، فما الذي كان يتميز به الطيبون ولا نتميز به الآن؟
إنه حديث ذو شجون عندما نقف على أطلال الزمن الجميل، وما يليه بفترة طيبة فتتفتح الجروح النوستاليجية الدفينة التي تأخذنا إلى الماضي القريب، فهل إلى ذلك الزمن سبيل؟
برأيي، أننا لا زلنا بخير فهنالك الكثير من القلوب الطيبة وإن صغر سنها، بالتأكيد هؤلاء الصغار مشغولون بألعابهم ذات التقنيات العالية والأجهزة التي تتخطفهم وأبصارهم معهم شيئاً فشيئاً، إلا أنني أؤمن أنهم سيكونون بخير وسيطلق عليهم أبناؤهم «الطيبين»، كما نطلق نحن على من سبقونا هذه الصفة. ذلك لأن لكل جيل وزمان خصائص وتقليعات لا مفر منها، لكن المعدن الأصيل لن يصدأ، وإن طالت الأزمان واختلفت. على الرغم من أننا - القدامى- قد نرى معدنهم مخدوشاً بعض الشيء.
ما يفتقر إليه زماننا بعض من التراث والعادات والتقاليد «غير البالية» التي تقف شاهدة على حضاراتنا وثقافاتنا المتعددة، لتستمر لتتشكل وتمتزج بمعطيات الحاضر والمستقبل.
تمتاز مملكتنا بتعدد الثقافات في المناطق، ولكل منطقة لهجة ولباس وطعام ونمط بناء، وما إلى ذلك فالإشكالية تكمن في عوامل التعرية التي تتسبب في ذوبان بعض الخصائص المميزة لكل من هذه الأمور، نظراً لتأثير العولمة على العالم أجمع، فعلى سبيل المثال بروز ظاهرة (code switching) العربيزي وهو مزج (العربية والإنجليزية) والعرنسية (العربية والفرنسية) المتفشية بين أوساط الشباب تحدثاً وكتابة، فقد يظن الشخص القديم أن هذه من المؤامرات والدسائس الغربية الموجهة إلينا لكي يغزوا لغتنا وينزعوا منا تراثنا وأصالتنا، والحقيقة تكمن في تفشي هذه الظاهرة في العالم أجمع، فهي ليست حكرا على العالم العربي، بل إن الغرب أنفسهم يعاصرون ذات الظاهرة اللغوية - الطبيعية- من لغات وثقافات أخرى فلديهم (Spanglish) (سبانجلش) وهو مزج اللغة الإنجليزية بالإسبانية، أيضا اكتساح العديد من الكلمات الآسيوية للعديد من اللغات، فهي ثقافة عامة بسبب سهولة ويسر تبادل ووصول المعلومات من وإلى الشعوب الأخرى. وقس على ذلك في جميع النطاقات وعلى مختلف الأصعدة. فالحل يكمن في احتضان المفيد بالمعقول والتمسك بكل ما كان وسيكون مفيدا من حضاراتنا وثقافاتنا.