في قروبات الواتساب نستقبل رسائل بأوقات متكررة مفادها أن هناك حملة عمرة أو حج مجانية من قبل جهات خيرية أو وقفية للمحتاجين، وتذيل بطلب: (لا تقف عندك، انشر ولك الأجر). وتتم الفزعة من الطيبين بإعادة الرسالة إلى قروبات أخرى وأشخاص في قائمة الجوال، يُعتقد بأن الرسالة تنطبق على ظروفهم. الجهود التي تبذلها المؤسسات الخيرية والوقفية وبعض رجال الأعمال في تمكين المواطنين والمقيمين بالداخل من أداء العمرة والحج لعدم قدرتهم المالية هي جهود تشكر وتذكر، وندعو الله لهم بالأجر والمثوبة.
قطاع الحج والعمرة من أبرز عوامل التنمية الاقتصادية للسعودية، ويسهم بفاعلية في تحريك النشاط الاقتصادي، ويعتبر هذا القطاع أحد محاور رؤية 2030؛ حيث يستهدف زيادة عدد المعتمرين من 8 ملايين معتمر سنويًّا من خارج البلاد إلى تمكين ما يزيد عن 15 مليون من أداء العمرة سنويًا بحلول 2020، وصولًا إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030، ويمثل هذا القطاع 10% من الناتج المحلي غير النفطي البالغ حجمه 365 مليار ريال، وبما أن 76% من السعوديين يحرصون على أداء العمرة سنويًا في رمضان حسب استطلاع قام به المركز الوطني لاستطلاع الرأي، التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في نهاية مايو 2017 -، فلماذا لا يتم تنظيم هذه الجهود الخيرية المباركة لتتحد تحت مظلة واحدة، وتحقق الهدف ذاته وتدخل في دائرة الاستثمار لديمومة خدماتها الخيرية وتعظيم فوائدها الاقتصادية؟
لعلنا نستعرض التجربة الماليزية الملهمة في هذا الإطار، في عام 1963 أسست الحكومة الماليزية مؤسسة استثمارية مستقلة تحت مسمى «صندوق طابون حاجي»؛ وتعني مؤسسة صندوق الحج، وكان الدافع لتأسيس هذه المؤسسة إنهاء معاناة مواطنيها الراغبين بأداء مناسك الحج وغير القادرين ماديًا؛ مما يجعلهم يقترضون المال ويغرقون في فوائده من البنوك الربوية، وتعتمد فكرة الصندوق على تمكين الماليزيين الراغبين في أداء الحج مستقبلًا بلا ديون من خلال استثمار ادخاراتهم الشهرية في الصندوق، فالأسر الماليزية استحسنت أن تفتح حساب ادخار لأبنائها منذ الولادة باستقطاع شهري لا يتجاوز ثلاثة دولارات، وبالتالي يتم استثمار هذه الأموال وَفق الضوابط الإسلامية، ومتى ما حقق المبلغ المالي للمساهم تكاليف الحج من خلال الادخار والاستثمار يسمح له بأداء فريضة الحج.
ولصندوق «طابون حاجي» طرق استثمارية نوعية تتماهى مع نظريات الاقتصاد الحديثة، مما جعل الصندوق يسجل نجاحًا عالميًا حيث بلغ رأسماله حوالي 60 مليار دولار، وللمؤسسة دور توعوي بجانب دورها الاستثماري، حيث تتولى التثقيف والإرشاد والتدريب على مناسك الحج قبل وصول الحجاج إلى بيت الله الحرام؛ لذا لا عجب أن تشاهد وعي وانتظام الحجاج الماليزيين. فكرة هذا الصندوق الرائد اقتبستها عدة دول إسلامية وحققت أهدافها بنجاح.
عودًا على بدء... لماذا لا نستنسخ تجربة صندوق «طابون حاجي» الفريدة، ويتم تكييفها على البيئة السعودية بإنشاء صندوق أو شركة وطنية خاصة بالحج والعمرة؛ تعمل تحت مظلة الحكومة وبإشرافها وتضخ استثماراتها في هذا القطاع الحيوي، وأحد أنشطتها تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بشكل منظم، بحيث توظف أموال الجهات الخيرية والمانحين ورجال الأعمال في استثمارات متنوعة تحقق عوائد اقتصادية مربحة، وتخلق فرصًا وظيفية، وتسهم في التنمية الاقتصادية، وفي ذات الوقت تحقق الهدف من تمكين غير القادرين مادياً من أداء مناسك الحج والعمرة.