إنها الحياة، نعبرها أو نتركها تعبرنا! لكن كيفما تعاملنا معها ستترك بصمتها على أرواحنا، سواء كان ذلك نجاحا أو فشلا، سعادة أو حزنا، انتصارا أو قهرا! كم وجدنا أنفسنا في لحظات يأس أن الظلام يغلفنا، لا ندري إن كنا سنقف مرة أخرى! أوقات تمر ببطء كدهر لا يريد أن ينتهي! أثقال تتزايد وتشدنا إلى قاع ليست له نهاية! صدمات تضرب بجذورها أعمق نقطة في ذاتنا، في نظرتنا وإيماننا بقدراتنا! هنا يجب أن نتوقف ونحدّث أنفسنا ونقول: «فليكن»! فإن قمنا بكل ما بوسعنا، وإن قدمنا أفضل ما عندنا، وإن حاولنا ولم يتم التغير أو لم نصل إلى النتيجة المتوقعة «فليكن»! هناك مقولة: «أنا لا أفشل، إما أن أنتصر وإما أن أتعلّم»، لا تسمح لنفسك أن تقيس ذاتك بمعايير الغير! الجميع يبحث عن مجموعة تقبله وتضمه إليها، لكن المفتاح هو ألا تخون أعماق ذاتك وأنت على ذلك الطريق، بأن تقضي جل وقتك وأن تبذل كل طاقاتك لكي تنال الرضا والقبول، فقط للتأقلم! كل ذلك ليس إلا انعكاسا للتفكير بأنك لست كافيا، لست مثيرا أو جذابا أو ما إلى ذلك! عندها تصبح مجرد شخصية معلّبة كتب على غلافها كل ما هو لست أنت!

قرأت ذات يوم قصة قديمة من التراث التركي، قصة تمت نسبة أصلها إلى التراث التركي واليهودي والفارسي، وتم استخدامها من قبل ساسة وشعراء وقادة، المهم هنا العبرة التي تكمن في العبارة التالية: «وهذا أيضا سوف يمر»، وإليكم ترجمتي، تقول القصة إنه في قديم الزمان وصل درويش في يوم من الأيام إلى قرية بعد أن قضى رحلة طويلة ومتعبة، وأخذ يسأل الناس إن كان هناك من يستطيع أن يستضيفه بأن يقدم له الماء والطعام والمأوى، وبما أن القرويين كانوا فقراء، وبالكاد يجدون ما يحتاجونه للمعيشة أو سعة السكن، أشاروا عليه بأن يذهب إلى بيت ثاني أغنى رجل في القرية، رجل عُرف بالطيبة والكرم يدعى «شاكر»، فشكرهم وانطلق إلى مزرعة شاكر، حيث وجد الترحيب والكرم والمعاملة الحسنة، وعندما جاء وقت الرحيل شكر الدرويش شاكر على ضيافته، وتمنى له دوام النعمة، فأجابه شاكر «يجب أن تتذكر أنه لا شيء يبقى على حاله، لأن ما تراه في بعض الأحيان ليس هو الواقع، فهذا أيضا سوف يمر»! أخذ الدرويش يتأمل كلمات الرجل، ثم أكمل طريقه.

وبعد عدة سنوات عاد إلى القرية، وسأل عن شاكر، فقيل له إنه خسر ماله بسبب طوفان أصاب أرضه، وهو اليوم يعمل عند أغنى رجل في القرية يدعى حداد، فذهب الدرويش إلى مزرعة حداد، ووجد شاكر يرتدي ثيابا رثّة، ويبدو أكبر سنا من عمره من عناء العمل والمجهود اليدوي في الأرض، استضافه شاكر في منزله المتواضع، وتقاسم معه الطعام والشراب، وحين جاء وقت الرحيل أبدى الدرويش أسفه على ما آل إليه حال شاكر، فأجابه: «لا تنزعج، تذكر أن هذا سوف يمر أيضا»!

وبعد مرور سبع سنوات عاد الدرويش إلى نفس المكان، فأخبره أهل القرية بأن حداد قد توفي، وترك جميع أمواله وممتلكاته لخادمه وصديقه المخلص شاكر، الذي بدوره استقبله أحسن استقبال، وعندما أبدى مدى سروره بعودة الحال الأولى إليه، أجابه مرة أخرى: «وهذا سوف يمر أيضا»!

وبعد فترة بحث الدرويش عن شاكر، فأرشده القرويون إلى قبر على تلّ، حفر على الحجر الذي نُصب فوقه: «وهذا أيضا سوف يمر»! هنا تعجب الدرويش كيف للموت أن يمر؟! وفي العام التالي عاد لزيارة القبر فلم يجد التلّ ولا القبر بسبب فيضان! كل أثر لشاكر «مرّ»!

في ذلك الوقت أمر سلطان البلاد بصك خاتم فريد يذكره بالأمل حين ييأس، وبعدم الرضا والغرور حين يفرح، ولم يستطع أحد أن يصنع خاتما يرضي السلطان! وبعد بحث مضنٍ استدل خادم السلطان على الدرويش، الذي أرسل إلى الصائغ بجملة وطلب منه أن يحفرها على خاتم ويقدمها للسلطان! وحين قدم الخاتم للسلطان لم يفهم في بادئ الأمر المغزى منه لبساطته، ثم ابتسم ابتسامة عريضة، فقد قرأ ما كان قد حُفر عليه: «وهذا سوف يمر أيضا»!

والآن لنعد إلى تلك اللحظات الثقيلة التي أرهقتك وجعلت منك سجينا لها، هنا راجع نفسك، وتحرر من كل ما لم يعد يخدمك، من كل ما يجعلك تتخلى عن ذاتك لتصل إليه أو لترضيه! ركّز على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليك، وبما أن كل شيء يتغير، ولا شيء يبقى على ما هو عليه «فليكن»! حدَث سار «فليكن»، حدث مؤلم «فليكن»، دعه يمر كغيره، وتقبل هذا التغيير! في هذا العالم الشيء الوحيد الذي تحتاج أن تمتلكه، هو أنت! حينها لا يستطيع أحد أن يهزك، فأنت الآن متجذر بقوة في أعماق ذاتك! وبمجرد أن تدرك أنك كنت تسترشد بمعتقدات أو آراء الغير التي غالبا ما تكون محدودة ومقيدة بحيث تجرك إلى الخلف أو تجمدك، عندها يمكنك العمل على التحرر والتعامل مع تلك المخاوف بالانتماء التام والحقيقي لذاتك، أنا مؤمن، أنا قادر، أنا مستعد وإن صادفتني عقبة، «فليكن»!