توعدت وزارة الصحة الصيدليات الخاصة بثلاث عقوبات من إلغاء ترخيص وسجن وغرامة إن قامت هذه الصيدليات بصرف مضاد حيوي من دون وصفة طبية، وفي الوقت ذاته تعاني صيدليات وزارة الصحة نقصا يتراوح بين الحاد والمزمن في كثير من الأدوية، من أبرزها المضادات الحيوية التي توعدت بشأنها، فمثلا مضاد المايكروبات Metronidazole syrup للأطفال شائع الاستخدام والذي يحتاجه الطبيب يوميا، والذي يستخدم في النزلات المعوية وعلاج البكتيريا اللاهوائية لمرض الخراج ونحوها، ومضاد Tetracycline كمثال حي آخر المستخدم للملاريا والتهاب القصبات الهوائية الحاد، وكذا مضاد ثالث Docycycline المستخدم لبعض الأمراض المنتقلة جنسيا والتهابات الجهاز التنفسي وبعض أنواع الحمى الانقلابية Relapsing fever، وغيرها من الاستخدامات، وغيرها من المضادات والأدوية الأخرى التي طال فراقها عن صيدليات الوزارة.
في الواقع أن هذا القرار إذا أخذ بمعزل عن واقعنا الصحي فهو قرار صائب جدا ومطلوب، إلا أنه إذا أسقط على الواقع تحول عن صوابه، فعندما يذهب المريض للطبيب ليحصل على دوائه ويكون من بينه مضاد حيوي -وهذا إجراء صائب لا شك- لكنه عندما يتوجه لصيدلية المرفق الصحي فإنه لن يجد ذلك المضاد الحيوي، حينها سيضطر لشرائه من صيدلية خارج المستشفى من ماله الخاص، وهنا سيقع بين براثن الاستغلال التجاري من قبل تلك الصيدليات العنكبوتية التي سيطرت على كل مكان بفروعها الأكثر انتشارا والأعظم طمعا في «جيوب» المرضى!
ناهيك عن أن يتوجه هذا المسكين لشراء هذا المضاد أو غيره من الأدوية «الغائبة» عن طريق الإنترنت، وهنا حدث ولا حرج عن نصب واحتيال وأدوية مزيفة، بل «سم» زعاف ووفاة أو عاهات على الأقل..
من كل هذا وبالتالي أصبح المستشفى أو المركز الصحي أداة تمد المريض بوصفة طبية فقط، ولا يعدو الدور هنا عن «ورقة»، لكون هذا المضاد المكتوب فيها غير موجود، وهذا من شأنه إرهاق المريض واستهلاك وقته وجهده وتحميله همًّا على همّ..
كان من الأجمل بوزارة الصحة أن توفر الأدوية أولا في المراكز الصحية والمستشفيات قبل أن تمنع الصيدليات من بيعها.
وهنا يكون الحل في وجهة نظري أن تمضي الوزارة قدما في هذا القرار بشرط أن يتوجه المريض إلى تلك الصيدلية الخاصة ليأخذ دواءه على حساب وزارة الصحة، ولتلغ إذن الصيدليات الموجودة بالمرافق الصحية، وليكن الصيدلي الذي كان يشغلها أداة تنسيق بين المريض والصيدلية الخاصة، ليحفظ للمريض حقه في الدواء وللصيدلي الحكومي حقه في مزاولة مهنته، وليستغن عن العمالات الأجنبية التي ملأت الصيدليات، بل أصبح بعضهم «طبيبا» يشخص المرض ويصرف ويأخذ من «جيب» الزبون ما استطاع إليه سبيلا، وما أجمل أن تكون الصيدليات هذه «صيدليات فعلا»، لا محال تسويق لصبغات الشعر والـ«ميك أب» ومكائن الحلاقة والإستشوار والعطور، وعندما يمتنع صاحب الصيدلية إلا أن يبقى مسوقا «لكل شيء» علاوة على القليل فقط من الأدوية، فإنه يجدر بالجهات المعنية الاستغناء عنه والاعتماد على صيدليات «حقيقية» لا تحوي بين جدرانها إلا «أدوية» فقط! وتكون مرتبطة بالمنشآت الصحية برقم للمريض من خلاله يحد من تزوير وصفات طبية أو استخدام وصفة لأكثر من مرة، وليكن الأمر مدروسا، وضع تحت هذه ألف خط!
ختاما، قرار صائب «لو» أن المرافق الصحية جاءت بالبديل وكان الأمر مدروسا.