قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) «سورة الروم 21»، الحب أسمى شعور فيتمثل في روحين تعتلي هام السماوات لتبقى على وعدها ولو طالت الأزمان وتباعدت الأبدان، فسواء كان المحبوب يتنفس نفس الهواء الذي تتنفسه أم يتوسد التراب فستبقى الأرواح معا للأبد لتلتقي مجددا في حلم الرائين المريدين وفي جنات النعيم.
قد تكون المقدمة جميلة، وقد تتسم بالرومانسية المطلقة، إلا أن من عرف الحب حقاً يعلم أنه لا يوجد حب ولا شخص مثالي، فتوأم الروح ونصفك الثاني قد لا يكون كما طالما رسمت ملامحه، وحددت صفاته، وقد لا يأتي هذا الشخص بتاتا البتة.
ليست نظرة سوداوية إنما واقعية، وما أجمل أن نحب بعقل! فأغلبية من مروا بمشاعر الحب يعلمون أن البدايات دائما جميلة، فلا حب يستمر على ما هو عليه، خصوصا أن تكلل بالزواج.
في هذا المقال لا أدعم ولا أروج لفكرة الزواج عن حب من عدمه، إنما أناقش ذلك الشعور بشكل عام وتلاشيه بشكل سريع بانطفاء تلك الشعلة الحارقة في قلوب الشعراء والحالمين بمجرد الزواج، فما الذي يحدث؟
هل الزواج يقتل الحب حقا؟ قررت سؤال عدد من المتزوجين لمدة تفوق السنوات الخمس بشكل غير رسمي ما إذا كانوا يحملون ذات المشاعر التي كانوا يكنونها لأزواجهم في بداياتهم؟ فكانت جميع الإجابات (لا). وجميعهم قاموا بالتبرير أن الشغف والهيام والوله ومختلف مراحل ومراتب الحب تتحور لتصل إلى مرحلة مستقرة من المشاعر، على حد قولهم «حب ممتزج بالعشرة زائد شعور بالأنس والعطف»، وذلك تحديدا ما جاء في «آية 21 في سورة الروم» مصداقا لقوله تعالى (مودة ورحمة) في مجمل العلاقة بين الزوجين.
إن لمن الأهم من ذلك الشعور هو كيفية الوصول إليه، فنحن نعيش في عصر كثرت به حالات الطلاق على أتفه الأسباب، كما أصبحت القناعة بالشريك أمرا صعب المنال في ظل المقارنات غير المنطقية بين الواقع والعالم الافتراضي، فالعقل يخزن ويركم أبعادا ومواصفات لشريك افتراضي لن يتواجد على أرض الواقع، فتستعصي المهمة على الباحث أو على من يبحث -في حالة الزواج التقليدي-، فالسبيل الوحيد إلى حياة سعيدة مليئة بالحب الحقيقي الباقي هو عن طريق إتيان القاعدة الألماسية -بالتجاوز عن السلبيات التي يجدها الشخص في الشريك ومحاولة إيجاد المحاسن فيه واستحضارها-.
ففي حديث أخرجه مسلم عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً، رضي منها آخر»، أيضا لن أقول خفض سقف الطموحات والأحلام، فالطموح أمر إيجابي وواجب، والأحلام قد تأخذنا إلى أول عتبات العمل الدؤوب، إلا أنني سأقول اخفض سقف الأوهام فهي تلك الأفكار اللاعقلانية الناتجة عن قصص وروايات وأشعار لأشخاص وهميين، أو بكل بساطة أشخاص لم يمروا بجميع مراحل ومراتب الحب، فلا تجعل نفسك موضع شخص آخر، بل اجعل نفسك موضع نفسك التي تود أن تراها في المستقبل، فكونوا في الحب كما أنتم، أو ببساطة كونوا كما أنتم في كل شيء، فليس هنالك على وجه هذه الأرض بديل لك.