أصدرت وزارة الخارجية الأميركية -قبل أيام- تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في كثير من دول العالم. إذ رسم التقرير صورة سوداء عن الوضع الحقوقي في كثير من الدول، وأصدر بعض الدول بيانات شجب تنتقد فيها هذا التقرير، موضحة أنه غير موضوعي، ويخالف الحقائق، بابتزاز سياسي واضح.
في الحقيقة، ودون الدخول في مناقشة ما جاء في تقرير الخارجية الأميركية من ناحية صحة ودقة المعلومات الواردة في التقرير أو عدم صدقيتها، فإننا نتساءل: هل يعد تقرير الخارجية الأميركية وتغطيته الحالة الحقوقية أمرا مهما ومفصليا، له اعتبار في المنظومة الدولية؟
أولا: تصدر أميركا حوالي 5 تقارير مختلفة، مثل: تقرير الحريات الدينية، وتقرير الاتجار بالبشر. تشير الدراسات الحقوقية إلى أن هذا التقرير يعد الأضعف عند المختصين من ناحية الجودة في المضمون والشكل، وكذلك من ناحية الإجراءات بمعنى لا يترتب عليه أي أثر، وبالتالي لا يعد تقريرا ذا قيمة.
ثانيا: في الواقع هناك خلط في المفهوم عند كثيرين، بين سلوك الحكومة الأميركية والمنظومة الدولية، يحدث الخلط تأسيسا على أن المنظومة الدولية مرتهنة للولايات المتحدة الأميركية، نعم، أميركا هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، وبالتالي حصتها من التأثير أكبر من غيرها.
ولكن السؤال الأهم: هل فعلا الولايات المتحدة الأميركية تحترم مبادئ حقوق الإنسان حتى تكون نموذجا دوليا لتقييم وضعية حقوق الإنسان في بلدان العالم، أم إنها فقط تستعمل ورقة حقوق الإنسان عن طريق خارجيتها للضغط على الدول لتحقيق مصالحها؟
أميركا تتحدث كثيرا عن احترام حقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته ترتكب الانتهاك تلو الآخر في بلاد العالم المختلفة، من سجن جوانتانامو إلى باجرام إلى بوغريب، فلماذا هذه الازدواجية؟!
كما أن أميركا تقف موقفا عدائيا ضد المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فأميركا هي الدولة الغربية الوحيدة التي رفضت، وما زالت ترفض، التوقيع على معظم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مثل: العهد الدولي للحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ومعاهدة حظر جميع أنواع الألغام الأرضية المسؤولة عن مقتل الآلاف من المدنيين في مختلف أنحاء العالم، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة، كما لم تصادق على معاهدة روما المتعلقة بإحداث المحكمة الجنائية الدولية، وتسعى بكل وسائلها غير المعلنة إلى الضغط على عدد من الدول لعدم المصادقة على هذه المعاهدة. بل إن أميركا كانت تاريخيا معيقة لإيجاد منظومة حقوقية، وهذا ما حصل في إطار التحضير للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ لم يدخل عنوان «حقوق الإنسان» في الأدبيات الأميركية إلا في بداية الثمانينات، أي بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بـ30 عاما، حينها أقر الرئيس الأميركي الـ39 «جيمي كارتر» -المعروف بتوجهاته الإنسانية- التقرير السنوي حول حقوق الإنسان. وقتها توجس المتشددون في النظام السياسي الأميركي من هذا التقرير، وما سيسببه من حرج، متهمينه بالضعف.
من المؤكد أن كل تلك الحقائق لا تضع أميركا في موقع المدافع الأول عن حقوق الإنسان، إذًا فكيف تقوم تلك الدولة العظمى بإصدار تقارير تقيّم فيها حال حقوق الإنسان في العالم، وتطلب من دول أخرى احترامها؟!