يقول الباحث الأميركي الشهير، والمختص بدراسات الجماهير والمشجعين، «هينري جينكنس» إنه لا يمكن لأي محتوى إعلامي مطلقا أن يساء فهمه، وإنه من غير المنطقي القول إن الجمهور أساء فهم هذا النص أو ذاك الفيلم، والسبب هو أن فهم الناس للمواد الإعلامية إذا لم يكن يتوافق مع مقصد المرسل/ الكاتب/ الإعلامي فإنه يمر بمرحلة من التناسبية، وليس سوء فهم.

 ويقصد بالتناسبية في نظرية هذا الكاتب «صيادو النصوص» أو «textual poachers» أن الفرد من الجمهور يفهم المحتوى بالشكل الذي يناسبه هو، أحيانا يتوافق هذا الشكل مع فهم المرسل وأحيانا يختلف عنه تماما، وليس في ذلك ضير.. فالمحتوى هنا يتم فهمه جماهيريا بشكل جيد سواء أكان هذا الفهم يتوافق مع قصد المرسل أو لم يتوافق.

 ويضيف «هينري جينكنس» إن القول بأن هذا النص أو هذا المسلسل أو هذه الأغنية أو هذا الفيلم أسيء فهمه من قبل الجماهير يعكس فوقية المرسل الإعلامي على جماهيره وسلطة المتحدث على متلقيه. إن القول إن هذا المحتوى الإعلامي قد تم فهمه بشكل خاطئ يعني أن هناك إستراتيجية واحدة صحيحة للفهم وضعها المرسل وهذا أمر مستحيل. المحتويات الإعلامية تتسم بطابعها بالمرونة والتعددية وقابلية التباين والتنبؤ. هذه النظرية التي وضعها «هينري جينكنس» للمحتوى الإعلامي وعلاقته بالجماهير تشير إلى أن هناك طريقة يريد المرسل من خلالها أن يتم فهم النص، وهناك طرق أخرى عديدة يمكن أن يفهم بها النص، وهناك أيضا طريقة تناقض ما قد يقصده المرسل قد يفهم من خلالها النص. بعبارة أخرى، تسحب هذه الفكرة البساط السلطوي من تحت الناشر والإعلامي وتجعل مهمتهما مقصورة على الإرسال، أما الفهم وطرق الاستقراء فهي متروكة بشكل كلي للمتلقي.

يمكن على سبيل المثال تطبيق هذه النظرية على دعاية «بيبسي» مع «كانديل جينر» حيث كان «بيبسي» يريد من خلال هذه الدعاية إبراز تنوع أميركا عن طريق إظهار كافة الأعراق والأديان في إعلان تصل مدته إلى ثلاث دقائق، ولكن الجمهور لم يتقبل الدعاية إطلاقا، بل واتهموا بيبسي بإساءة تمثيل السود والسخرية من أحد الحركات الاجتماعية الشهيرة في أميركا «حياة السود مهمة»، التي تغطي إشكالية العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء. وبالتالي بينما كانت تسعى «بيبسي» إلى ترويج منتجها عن طريق جعله ملائما لكافة الأميركيين بشكل عادل وتنوعي اصطاد المتلقين من الإعلان معنى آخر تماما، بل ومعاكسا لما كان مقصودا، متهمين بيبسي بالتعنصر ضد السود. هذا مثال إلى جانب أنه يثبت صحة نظرية هينري جينكنس «صيادو النصوص» وقابليتها للتطبيق على الجماهير المعاصرة، فهو يدعونا كمهتمين بالمحتوى إلى أن نكون أكثر إطلاعا بالسياقات الاجتماعية والتاريخية التي ينشر فيها المحتوى لتجنب هذا النوع من الاتهامات من قبل الجماهير.