ما جاء في العنوان هو ما قلته لأحدهم قبل أيام قليلة، وهو ما كنت أقوله منذ أكثر من عشرين عاما، أقول ذلك في أي نقاش فكري عن بلادنا المملكة العربية السعودية، سواء أكان في جلسة خاصة أو عامة، أو في درس أو ندوة أو مؤتمر، وعندما أقول ذلك فإنما أقوله عن عقيدة صحيحة وديانة أتقرب بها إلى الله، وأعوذ بالله أن أريد بقولي هذا - الذي أراه دينا وطاعة لله - الدنيا ولعاعتها، وتقديم العاجلة على الآخرة، فالله تعالى يقول: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)، وقال تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).

إن المتأمل في العالم اليوم غربا وشرقا، جنوبا وشمالا، لا يرى نظيرا لهذه البلاد السعودية قط، من جهة تطبيق الشريعة، ونصرة التوحيد وأهله، وقمع الشرك والبدع، وخدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعني عدم وجود أي نقص أو خطأ، كلا، الخطأ موجود، بل وجد الخطأ من بعض الناس حتى في القرون المفضلة، وحتى في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الخطأ يعالج، والحدود تطبق، والدولة أيدها الله حريصة على الحفاظ على هوية هذه البلاد التي تأسست عليها منذ ثلاثمئة سنة، وهي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح الإرجاف، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم)، فالواجب على كل محب للتوحيد والسنة التعاون مع دولتنا السعودية على الخير، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (الواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة التعاون مع هذه الدولة في كل خير... هذه الدولة السعودية دولة مباركة، نصر الله بها الحق، ونصر بها الدين، وجمع بها الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد وأمن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست معصومة، وليست كاملة، كل فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص، وعلى إزالة النقص، وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة، والزيارة الصالحة، لا بنشر الشر والكذب، ولا بنقل ما يقال من الباطل؛ بل يجب على من أراد الحق أن يبين الحق ويدعو إليه، وأن يسعى في إزالة النقص بالطرق السليمة، وبالطرق الطيبة، وبالتناصح والتواصي بالحق، هكذا كان طريق المؤمنين وهكذا حكم الإسلام)، وقال أيضا: (العداء لهذه الدولة - السعودية - عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن من حولنا.. أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة؟ غير هذه الدولة، أسأل الله لنا ولها الهداية والتوفيق والصلاح ونسأل الله أن يعينها على كل خير، ونسأل الله أن يوفقها، لإزالة كل شر وكل نقص، علينا أن ندعو الله لها بالتوفيق والإعانة والتسديد والنصح لها في كل حال).

إن مما يسوءني أن بعض الناس في بعض المجالس يظهر نفسه صاحب غيرة ودين، يتصدر المجالس بتسويد المشهد ضد بلادنا، وصناعة الإحباط، قلت لأحدهم بعد أن فرغ من حديثه: أنت تبالغ في ذكر المنكرات، وتكتم الحسنات العظيمة للدولة، وتشيع السوء، وهذا لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، فقال: وما أدراك؟ قلت: لأن طريقتك تخالف المنهج النبوي، ولأنك تدافع عن بلاد واقعة في الشركيات والبدع والمنكرات، وتثني عليها، بينما تنتقص بلادنا، فالمكاييل لديك ظالمة، وهذا المسلك مع مخالفته للشرع والعقل، يولد صورة تشاؤمية عند المستمعين لك، لا سيما الشباب، وربما يستغلهم من يريد بهم وببلادنا شرا، ولذلك فإني أقول لك ولمن سلك طريقك: اتقوا الله، ولا يستجرينكم الشيطان، وقولوا قولا سديدا.

كما أن مما يسوءني كذلك أن بعض الناس في بعض المجالس يظهر أن خطأ وتجاوز بعض الناس في الانحلال والانفلات، مرحب به، وأنه هو ما ينبغي أن يكون، قلت لمن قال ذلك: الانفلات والانحلال ليس مرحبا به إلا عند من سفه نفسه، واتبع هواه، وترك طاعة مولاه، وقد قال الله تعالى: (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما).

إن هاتين النابتتين: الغلاة والجفاة، وإن اختلفتا في الأساليب، إلا أنهما متحدتان في الهدف، وهو التهوين من شأن بلادنا، ولكنهما مخذولتان إن شاء الله، وباطلهما زاهق، وقد قال الله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون).