قامت وزارة الصحة وعدد من الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة العمل والأمانة وهيئة الغذاء والدواء، بتفتيش مركز طبي للتجميل في مدينة الرياض، حيث اتضح أن جميع العاملين في هذا المركز غير مختصين بمهنة الطب، ويقومون بإنتاج عقاقير ومستحضرات تجميل غير مرخصة وفي بيئة غير صحية، وهذه المهمة التفتيشية في الحقيقة ليست الأولى من نوعها التي تشترك فيها عدة جهات حكومية وخاصة فيما يتعلق بالصحة العامة.

وبالرغم من أهمية الحملات الصحية على المنشآت الطبية وبكل ما يتعلق بالصحة العامة مثل المطاعم والمصانع والمحلات التجارية، إلا أن مثل هذه الحملات تسلط الضوء على إشكالية ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، وغياب دور «المفتش أو المراقب الصحي»!، وبالتالي ضعف الرقابة الصحية بشكل عام، ومهما يقال عن فاعلية هذه الحملات فإنها تتعامل مع حالات ومواضيع معينة وتترك الحالات الأخرى، كما تتصف أيضا بالبطء الشديد في تنفيذ أعمالها، وتأثيرها محدود، وقد أطلق عليها أحد علماء الإدارة عبارة العشب المؤذي في حديقة الحكومة.

فعلى سبيل المثال نجد أن وظيفة المراقب الصحي موجودة في الأمانات والبلديات، ونفس مسمى هذه الوظيفة موجود أيضا في مستشفيات وزارة الصحة، ومهام هذه الوظيفة تكاد تكون متشابهة في الجهتين، والاختلاف يتمثل في أن المراقب الصحي في البلدية يقوم بالتفتيش على المحلات التجارية ذات العلاقة بصحة البيئة، كالمطاعم والبقالات والبوفيهات وصوالين الحلاقة ومغاسل الملابس والملاحم ومحلات بيع الدواجن والأسماك، وغيرها من المحلات والمصانع التي تقدم الخدمات الغذائية.

أما المراقب الصحي في المستشفيات فمهامه لا تختلف عن مهام المراقب في البلديات، والاختلاف فقط في نطاق الإشراف المتمثل في داخل المستشفيات، فهو يقوم بالإشراف الصحي على أماكن إعداد الطعام، والتأكد من نظافتها ومدى تطبيق الشروط الصحية اللازمة، والإشراف على مصادر المياه والتأكد من وجود مياه صافية ونظيفة، بالإضافة إلى متابعة حالات العدوى والتخلص من النفايات.

ولإيضاح أهمية دور المراقب أو المفتش الصحي، وضياع هذا الدور بين وزارة الصحة والبلديات والجهات الحكومية الأخرى، لنأخذ على سبيل المثال الرقابة الصحية على سلامة الغذاء، فقد زادت في الآونة الأخيرة حالات التسمم الغذائي بشكل ملحوظ، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها زيادة ارتياد الناس المطاعم تزامنا مع وجود عمالة غير مؤهلة للعمل في هذا القطاع، بالإضافة إلى زيادة خطوات تصنيع وتداول الأغذية ونقلها من بلد لآخر، مما يجعلها عرضة للملوثات المختلفة.

فرغم جهود بعض الأمانات والبلديات في مجال الرقابة على صحة البيئة، ورغم خطورة وجسامة المخالفات المكتشفة، إلا أن التعامل النظامي والقانوني معها غير كاف، علاوة على عدم كفاية أدلة الإثبات لهذه المخالفات، ناهيك عن بدائية التقنيات المستخدمة في كشف التلوث، كما أن دور وزارة الصحة في هذا المجال شبه غائب، وهي تتدخل مختارة فقط في حالات التسمم الغذائي.

وإلى وقت قريب توقفت برامج الطب الوقائي من قبل وزارة الصحة في بعض المناطق، والمتمثلة في قيام مراكز الرعاية الصحية الأولية بجولات دورية على المطاعم ومحلات بيع الأغذية، وأخذ عينات منها لتحليلها مخبريا. كما أن هناك إشكالات موجودة بين وزارة التجارة والجمارك حول فسح السلع الغذائية المستوردة، ناهيك عن مشكلة نقص المختبرات ومخاطر الفسح دون موافقة الجهة المختصة.

وليس هذا وحسب، بل كانت وزارة الصحة في الماضي تقوم بأخذ عينات من مياه الشرب في المدارس التعليمية، وتقوم بفحصها مخبريا للتأكد من سلامتها وخلوها من التلوث، ثم انتقلت هذه المهمة فيما بعد إلى البلديات وتوقفت أيضا، فأصبحت ضمنا من مهام شركة المياه الوطنية حتى أصبحت مياه الشرب في المدارس وحتى المنازل السكنية بدون فحص مخبري!، كما أن الرقابة على نسبة المبيدات في الخضروات والفواكه أو استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات، فهناك غياب تام لوزارة الصحة، وتنازع في المسؤوليات بين الزراعة والبلديات، فهل الرقابة الصحية تكون بداية على المزارع أم عند بيع المنتجات الزراعية في الأسواق التجارية؟ وعلى هذا المنوال!.

وعلى هذا الأساس هناك ضعف في الرقابة الصحية في كافة المجالات المختلفة، فماذا عن التفتيش الصحي على الفنادق في مجال سلامة الأغذية والمياه والنظافة وأحواض السباحة، وكذلك في المصانع والمنشآت والمحلات والمخابز والأنشطة الصحية الأخرى؟ فمن أهم أسباب هذا الضعف هو غياب دور المراقب أو المفتش الصحي كما ذكر آنفاً.

وبناء على ما سبق، لماذا لا تتم إعادة النظر في وظيفة المراقب أو المفتش الصحي وتكون تحت إشراف وزارة الصحة؟ بحيث يكون من مهام هذه الوظيفة: المرور والتفتيش على المطاعم والفنادق والمصانع والمحلات العاملة بالأغذية، وسحب عينات من الأغذية المختلفة وإرسالها للمعامل والمختبرات، وعمل المحاضر للعينات غير المطابقة للمواصفات وإرسالها إلى الأجهزة الأمنية لعمل اللازم والعرض على النيابة العامة، بالإضافة إلى الإشراف الدوري على عمليات مياه الشرب المعالجة والجوفية، وأخذ العينات اللازمة من الخزانات والشبكات وإرسالها إلى المختبرات، وبكل ما يتعلق بأعمال مراقبة صحة البيئة والصحة المهنية.