اعتقدتُ أن الحرب التي شنهّا سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على الفساد، وكانت بدايتها مع بعض الأمراء والوزراء، وكبار الضباط والمسؤولين في وزارة الداخلية وغيرها، ستردع الفاسدين الآخرين في الوزارات والمنشآت الحكومية، وتجعلهم يخشون الوقوع في مفاسد جديدة، ولكن لازال البعض مصرا على الفساد، ما اتضح لي أن هذه الحرب تستدعي مدة طويلة.
أعتقد أن محاربة الفساد تستلزم وقتا أطول مما نتصور، لانتشاره وحلاوته للفاسدين الذين يظنون أنهم يملكون مهارة قوية تحول دون الكشف عن مفاسدهم، وهو الأمر الذي يستدعي مشاركة جميع المواطنين، وعلى رأسهم أصحاب الأقلام المخلصة للوطن، في محاربة الفساد كلما حانت لهم الفرصة، لأداء هذا الواجب الوطني، لعل من وسائل الفاسدين في أكل مال الدولة دون حق، تزفيت شوارع المدن بطريقتين:
الأولى: تزفيت بعض الشوارع التي ليس عليها مرور كثيف، وليس بها خلل ظاهر، وذلك بإسناد تزفيتها إلى مقاولين فاسدين أيضا، يتعاقدون مع موظفين فاسدين، تكون تكلفة تزفيتها منخفضة جدا، كي يتمكنوا من تقديم معظم فوائدها الحرام للفاسدين في الجهة التي تعاقدوا معها.
الثانية: تزفيت بعض الشوارع التي تحتاج أرضيتها إلى عملية إصلاح بطبقة من الأسمنت دون إجراء هذا الإصلاح الضروري، مما يؤدي إلى خراب التزفيت في مدة قصيرة. وعندما تسير عليها السيارات تتراقص، مما يدل على رداءة هذه العمليات، وأنها تمت بهذا الشكل السيئ لتخفيض تكاليف الإصلاح للمقاول، مما يسمح له أن يدفع للجهة المسؤولة رشا مغرية، لأنها أسندت إليه عملية الإصلاح الشكلي السريع الذي يشبه عملية سلق البيض.
من أمثلة تزفيت بعض الشوارع التي لا تحتاج إلى تزفيت، عملية تزفيت بعض الأجزاء من طريق المدينة الطالع والنازل وشارع الصفا، الذي يبدأ غربا من سوق الدانوب في شارع حراء، ويمتد شمالا حتى جنوب مدرسة أجنبية، تسد بقية امتداد الشارع نحو الشمال.
ومن أمثلة تزفيت بعض الشوارع دون إصلاح أرضيتها، برصفها بالأسمنت قبل التزفيت، شارع «عابر القارات» في حي أبحر الشمالية، إذ تهتز وتتراقص السيارات التي تمشي عليه لعدم استيفائه الشروط الفنية اللازمة للتزفيت.
وهناك في بعض مدن المملكة آلاف الشوارع المحفرة والمليئة بالبطانيج، مهملة منذ عشرات السنين في الأحياء الشعبية، لم تفكر الجهات المسؤولة في تعبيدها وتزفيتها وإصلاحها، وهو الأمر الذي يدل على الإهمال، وهو نوع من أنواع الفساد.
فمتى يستيقظ هؤلاء المسؤولون من سباتهم، ويدركون أن محاربة الفساد ستشملهم عن قريب؟