حسنا فعلوا، قادة الدول العربية في مدينة الظهران شرق المملكة الأحد الماضي، عندما نددوا بالقرار الأميركي الاعتراف بالقدس، إذ أكد المجتمعون مواصلة دعم القضية الفلسطينية، وأعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز إطلاق تسمية «قمة القدس» على الاجتماع الذي استضافت المملكة دورته الـ29، وأنها قضيتنا الأولى.
هذا هو الموقف المطلوب من القادة العرب في إعلاء اسم القضية الفلسطينية في كل المحافل الإقليمية والدولية، رغم تحذلق المتحذلقين، ورغم تكسير المجاديف وتثبيط الهمم، بأحاديث المهزومين وعبارات الضعفاء من قبيل «وما فائدة ما تفعلون، أنتم فقط تتكلمون»، أو عبارة «كل ما تأتون به لا تأثير له».
لا يعي هؤلاء أن المساندة الإعلامية والدعم المالي والتأييد النفسي، هو صورة من صور المقاومة وتسجيل موقف، لا يعي هؤلاء بأن إطلاق «تسمية القدس» فيه رمزية كبيرة لنوع من أنواع المساندة التي يحتاجها الطرف المقموع والمنتهك حقه.
هؤلاء الحاقدون هم ناقمون على أي جهد يقدم، هؤلاء الحاقدون كاسروا المجاديف يحاولون تقزيم القضية الفلسطينية إلى صراع إسلامي يهودي، وهم بذلك يدفعون بالقضية إلى منحى يصغر الدائرة على هذه المأساة الإنسانية، هم يصرخون بالشعارات الإسلامية المهيجة للجماهير، ليحولوا القضية إلى صراعات عنصرية وطائفية بين الإسلام واليهودية، ليبعدوا المسؤولية عن ضمائر العالم.
يُعلي هؤلاء الصرخات العالية سخطا وبغضا لليهود، متجاهلين أن كثيرا من اليهود لديهم منظمات غير حكومية خاصة في الولايات المتحدة الأميركية يدافعون عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، هؤلاء أصحاب الطائفية المقيتة لا ينظرون إلى دول غير إسلامية صوتت ضد قرار ترمب لمصلحة فلسطين، مثل: الصين والهند وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وغيرها، هؤلاء العنصريون يعلنون حربا طائفية بين الإسلام والأديان الأخرى مرددين عبارة: «القدس لن يرجعها سوى خليفة مسلم، القدس حق المسلمين الذين سيموتون من أجله، بالسيف، بالبندقية» وهكذا يصغر هؤلاء أرض فلسطين وتراثها العميق تاريخيا، والمنتمي إلى أعراق وأصول عدة، والمتعايش بديانات مختلفة، حتى جاء وعد بلفور الذي أسس لأسوأ نظام فصل عنصري «ابارتهايد» في التاريخ، ليغير هذا الوضع المميز للتعايش والسلام في أرض فلسطين، حين ارتكب جريمة بحق الشعب الفلسطيني وبحق الإنسانية وقيمها الحضارية.
جريمة مهدت لسلسلة جرائم كان من أفظعها جريمةُ التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني عام 1948، والتي أدت إلى تهجير 70% من أبنائه وبناته، وإلى تدمير وإفناء 400 قرية وبلدة فلسطينية.
وهنا أقولها بكل وضوح، من لا يريد أن يُعلي صوتا أو يفعل شيئا فليصمت ويكفنا شره، ومن يريد أن يُعلي صوتا ويسجل موقفا فلا يُعنْصر القضية ويطيّفها، ويجعل منها شعارات لحرب دينية وفتح إسلامي لتحرير القدس.
القضية أكبر من ذلك بكثير، هي قضية الضمير الإنساني العام، وهي مسؤولية أخلاقية لكل البشر بكل دياناتهم، في إنهاء هذه الصورة البشعة الوقحة من الاحتلال والتطهير العرقي والاستيطان والقمع لأصحاب الأرض. ولن نكل أو نمل، حتى تصبح فلسطين مستقلة.
أخيرا أقول: صوت الحق والعدل لا ينام، وسيكتب التاريخ يوما أن هذه المؤامرة نهايتها الفشل، بسبب الصمود الأسطوري لشعب اسمه شعب فلسطين، وهو صوت الحق نفسه الذي صرخت به حناجر غاندي، ونيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينج.