في كل وقت وحين تبرهن المملكة للعالم بأسره أنها الحاضنة والراعية لجميع الدول العربية، حتى تلك التي تناصبها العداء وتنكر جميلها كلما لاحت لها الفرصة أن تكون في خانة المتآمرين وناكثي العهود، وعلى امتداد الأزمات العربية كان هناك من يخرج من تحت عباءة الحق ليصف مع الباطل في تجنٍ واضح لا يبرره إلا حقد دفين أو انتماء هش يباع ويشترى في زمن المتاجرة بالضمائر الحية، ولن نستعرض ما عملته وقدمته المملكة لشقيقاتها من الدول العربية، وكيف أنها الأكثر عطاء ومساندة لكل قضاياها، وأكثر احتواء لأبنائها وخاصة من تعرض منهم لعدوان من الخارج أو خيانة من الداخل، كما هو الحال مع الفلسطينيين واليمنيين والسوريين وغيرهم من دول أخرى توافدوا على المملكة بحثا عن فرص العمل، حيث تجاوزت أعدادهم الملايين، وكانوا يحظون بالرعاية والاهتمام حالهم كحال المواطنين السعوديين، البعض قد يسوق تبريراته وأنهم ساهموا في بناء نهضة المملكة، ونحن لا ننكر جهود أحد، ولكن كان بالإمكان الاستعاضة عن خدماتهم بآخرين من دول غير عربية، لكن المملكة هيأت لهم الفرص وسهلت دخولهم وإقامتهم على أراضيها، وفوق دعمها لهم دعمت بلدانهم في مشاريعها الاستثمارية وأزماتها المالية، وتكاد أن تكون هي الدولة الوحيدة التي تفي بالتزاماتها سياسيا وماديا تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك هي الآن من تتحمل العبء الأكبر في عملية الدفاع عن اليمن وشعبه ضد عصابة الحوثي وحليفه المعتدي الإيراني.
كل هذه الجهود تبذلها المملكة بإخلاص دون منة أو تخاذل، حتى وهي تمر بنقلة نوعية تتطلب أن تركز جهودها على دعم خططها التنموية ورؤيتها المستقبلية، غير أنها لا زالت تقوم بدورها وجهودها الدائمة في سبيل ترميم وتوحيد الجهود، والقضاء على الخلافات، وقبل ذلك حقن الدماء، وحماية الشعوب المكلومة مما تتعرض له من إبادة على أيدي حكامها، وهذا التجمع لقادة العرب في قمتهم التي عقدت في مدينة الظهران يصب في تلك الجهود، ولا شك أن الملفات ضخمة جدا والقضايا شائكة للغاية، ويبقى الالتزام والتعاون هما سيدا الموقف، خصوصا أن هناك دولا مع الأسف تعمل ضد السلام العربي وضد استقرار شعوبه، بل وتدعم كل فكرة متطرفة وجماعة إرهابية خارجة عن القانون، واستهدفت المملكة في كل خططها الإرهابية وتآمراتها، وإن كانت تستقبلها على أرضها برغم كل ما فعلته ولا زالت تفعله، فهي بذلك تستمر في منهجها الواضح الذي يسعى إلى توحيد الصف واشتراك جميع الدول في مناقشة قضاياها بكل وضوح، ليكون الباب مفتوحا أمام الجميع بعيدا عن الطرق الملتوية والتحالفات التي لم ينتج عنها مع الأسف إلا خراب وتدمير شعوب كاملة.
وهنا يتضح مدى أطماع البعض في جيرانه وكيف هي طرقه لتحقيق تلك الأطماع والتي لن يتوانى في سبيلها عن الاستعانة بالإرهابيين أو المجرمين على مستوى العالم، سواء أكانوا جماعات أو دول، كما هو حال من دعم تنظيم القاعدة وداعش وجماعة الحوثي الآن، والعزاء أن تلك الدول انكشفت أمام العالم أجمع وما فعلته سينعكس عليها يوما ما، والمسألة هي عامل الوقت ومزيد من التعري لتكون الصورة أكثر وضوحا أمام شعوبها، فتسارع هي دون غيرها لإسقاطها آخذة الثأر لكل أسرة تشردت ولكل طفل فارق الحياة قبل أن يراها، وكم هم الثكالى والأيتام والمهجرين من دول عربية عديدة كانوا هم وراء كل ما حصل لهم، وأنت تتمعن في تسلسل الأحداث وبؤس العربي توقن أن ما تفعله إسرائيل في الأرض المحتلة هو نفسه ما يفعله هذا العربي مع أخيه، الفرق أن أساليب الإسرائيلي في الاعتداء واضحة ويمكن للفدائي التصدي لها بما استطاع من قوة، أما العربي فكل ما يفعله بالتخفي والدسائس، غير أننا متفائلين بالنتائج الإيجابية التي أسفرت عنها القمة العربية والتي عقدت في قبلة العرب المملكة العربية السعودية، وهي تأمل أيضا أن تقوم جميع الدول بمسؤولياتها كاملة تجاه شعوبها أولا ثم تجاه شقيقاتها التي تعاني ويلات الحروب والدمار، وأن توحد الصفوف وتجتمع كلمة الحق لتدين تلك الاعتداءات السافرة للنظام الإيراني المجرم، عبر حليفه الحوثي، والمتمثلة في صواريخه التي تطلق على مدن المملكة في تعدٍ صارخ وانتهاك للقانون الدولي، والذي جرمت من خلاله الكثير من الدول عصابة الحوثي والنظام الإيراني، واعتبرت ما قاما به اعتداء سافرا على المدنيين وتهديدا خطيرا قد يطال دولا عديدة إن لم يجد رادعا، والرادع لن يكون إلا من جانب الدول العربية في توحدها لصد العدوان وتحالفها مع الدول المتصدية للعدوان والداعمة للشرعية في اليمن، بذلك يمكن القول إن القادة حققوا شيئا يسيرا من طموحات شعوبهم، أو لنقل كانوا بالشجاعة بحيث تبنوا قرار العمل على محاربة الإرهاب والتطرف في مقابل استقرار شعوبهم وحقن دمائها التي تراق كل ثانية، بدون أي ذنب اقترفته إلا كونها تنتمي إلى الأمة العربية التي أبت إلا أن تجرب قوتها في نفسها أولا وثانيا.