لا أجد سبباً منطقياً يجعلني أتحدث عن ضرورة وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعنا، ذلك لأننا حينما نؤكد على ما هو أكيد فإننا حتما نرتكب إثم التشكيك في مصداقيته، ولكن كعادتنا ولكي نسد ثغرة يفتعلها "الفاهم غلط" أو مدبّر الخطط، فإننا نشيد بدور الهيئة التي تقوم بأسمى ما يمكن أن يقدم للمجتمع وأفراده من تذكير بمنهج الإسلام وتطبيق ذلك في شؤون حياتنا بصورة واضحة وميسّرة.

إلا أنه تقع تساؤلات منبعها التفكّر في عمومية وثبات ديننا الحنيف، لطالما تعجبت من خلاف واختلاف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مناطق المملكة العربية السعودية وكأنهم لا يدعون إلى دين واحد ويتبعون منهجاً موحداً، فلا الأنظمة ذات معالم واضحة الكيان ولا التطبيق يسري باعتدالية على الأفراد في كل مكان. في القصيم على سبيل المثال، تأمر الهيئة سيدة منقبة بإسدال الغطاء على العينين وقد تصعّد الموقف إن لم تمتثل تلك السيدة لأوامرهم، في جدة بالمقابل قد يعرض رجل الهيئة على إحداهن تغطية شعرها مكتفياً بالتسبيح والتكبير وترك القرار للضمير، ثم ماذا لو جاءت سيدة جدة إلى القصيم في زيارة ما لتفاجأ بأن القصيم غير وهيئتهم غير وتعاملهم وأوامرهم غير وليست جدة غير... كيف سيتقبل كل طرف منهما الآخر وكيف سيتعامل مع الموقف، بل وماذا لو زار الرياض شاب في مقتبل العمر من جدة ذو كدش اعتاد على حمله فوق رأسه أينما كان وأمام جميع من كان، ليجد نفسه مقتادا في ذاك اليوم الذي جمعت فيه الهيئة الكثير من أصحاب الكدش وزجت بهم في الجمس الذي تحول إلى باص ليخرجوا منه برؤوس نصف كدش ونصف انكفش!

مواقف كهذه هي السبب الرئيس في سوء التواصل بين الهيئة والمواطنين إن لم تتحول في كثير من الحالات إلى مشاجرة كلامية أو أخرى جسدية يستعينون فيها بما حملت أيديهم.

جملة من السلبيات تسيطر على أداء منسوبي الهيئة وتقبل المواطنين لهم، ولو أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوجدت دليل السياسات والإجراءات ووحدت نظام التطبيق معتمدة على آلية الوضوح واليسر والوسطية والعمومية لما وُجِدت هذه الأزمة التي نعيشها في زمن لم يعد يرضخ للطرق والسحب.

كان رسول الله عليه أتم الصلوات والتسليم يعامل الكل بالمثل ويوصي بذلك، وإذا لمس من أصحابه جنوحاً إلى الإفراط أو التفريط ردهم حيث الوسطية وحذّرهم من مغبة الغلو أو التقصير. كان أيضاً عليه الصلاة والسلام يأمرهم بتثقيف ذاتهم وتأديب أدائهم حتى باتوا على قدر عال من الوعي الديني والخلق الإسلامي. فما أحوج رجال الهيئة في هذا الزمن لرفع مستوى تعليمهم والالتحاق بدورات سلوكية واجتماعية تؤهلهم لفهم الطبيعة البشرية والتعامل معها بالعلم والفهم والحلم، وللجم أفواه لا تجد صعوبة في النيل منهم، وما أحوج ما نكون لإيجاد قنطرة تنقلنا سويا حيث ضفة تناغم لن نصلها إلا بدستور واضح التعاليم وعمومية شاملة التطبيق.