تخيل أن تكون رئيس دولة! ووصلت إلى هذا المنصب الرفيع خلال صندوق الاقتراع وبرغبة الجماهير، ولكن توقيع مرسوم تنصيبك بعد انتخابك من الشعب بيد شخصٍ آخر لديه صلاحيات مطلقة، وباستطاعته عزلك كرئيس للجمهورية بموجب مواد الدستور للبلاد، وتخيل أن صاحب الصلاحيات المطلقة يشغل هذا المنصب بديلا مؤقتا لشخص آخر اختبأ منذ أكثر من ألف عام، وسيرجع يوما ما إلى منصبه، ويمارس كامل صلاحياته.
لعلنا نبدد حيرتك، ونعيدك من الخيال إلى الواقع. فمرحبا بكم في النظام السياسي الإيراني!
في عام 329 هـ، دخل الإمام الثاني عشر الغيبة الكبرى «الإمام المختبئ»، وبعد هذه الغيبة حُرم إنشاء أي كيان سياسي شيعي؛ لأن الإثنى عشرية تُحرم أن يتولى منصبه في الخلافة أحد حتى يخرج من مخبئه؛ لذا جاء الخُميني بعد نجاح الثورة 1979 بنظرية ولاية الفقيه، وأصبح هو أول مرجع يتولى منصب ولاية الفقيه «المرشد» في إيران، وبعد وفاته عام 1989 خلفه خامنئي، وحصل بموجب الدستور على صلاحيات مطلقة فوق رئيس الدولة، إذ تنص المادة رقم 5 من الدستور الإيراني على أنه: «في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير».
بينما تكرس المادة رقم 57 في الدستور هيمنة المرشد على السلطات الثلاث في إيران، إذ جاء نص المادة كالتالي: «السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وهي تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة».
وتؤكد المادة رقم 107 من الدستور أن «الولي الفقيه هو المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية».
في حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع مجلة تايم الأميركية خلال زيارته النوعية للولايات المتحدة الأميركية قال، «مشكلة النظام الإيراني هي أنهم قد اختطفوا البلاد، فهم يستخدمون أصول دولتهم من أجل تحقيق غاياتهم الأيديولوجية. منذ ثورة 1979، وهم يسعون إلى نشر أيديولوجيتهم حتى في الولايات المتحدة، وبقيامهم بذلك سيخرج إمامهم المختبئ ليحكم العالم: الولايات المتحدة الأميركية، واليابان، والعالم أجمع. وهم مؤمنون بذلك، ويقولون ذلك بكل وضوح، وفي حال كانوا لا يقولون ذلك، فليخرج المرشد الأعلى وينكر كلامي بعد هذه المقابلة، ويقول إنه لا يؤمن بما قُلته».
سلطات وصلاحيات المرشد بموجب الدستور الإيراني، هي أحد مظاهر اختطاف الدولة، حيث تقود إلى تحقيق أهداف الثورة الخمينية التي تسعى إلى توسيع نفوذها وبسط هيمنتها، خلال كياناتها التي زرعتها في بعض الدول لخلق المشكلات وزعزعة الاستقرار، وتفجير الخلافات وتصدير أيديولوجيتها الثورية، وتحقيق الأمة الإسلامية الواحدة تحت مظلتها، وآخر اهتماماتها الداخل الإيراني. إذ تعطي المادة رقم 110 صلاحيات واسعة للمرشد منها: إصدار الأمر بالاستفتاء العام، وسلطة إعلان الحرب والسلام والنفير العام، وتنصيب وعزل المسؤول الأعلى في السلطة القضائية، ورئيس أركان القيادة المشتركة، والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة، وتوقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب، وعزل رئيس الجمهورية مع أخذ مصالح البلاد في الحسبان.
ولعلنا نختم بطرفة نص المادة رقم 154 من الدستور، إذ تنص على «تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله، مثلها الأعلى».
وتتجلى فعليا سعادة الإنسان وفق الدستور الإيراني في شلال الدم وحالة اللا استقرار في العراق، وسورية، واليمن، ولبنان!.