برزت مؤخرا المشكلة المتجددة سنويا بسبب عدم حصول كثير من الممارسين الصحيين على رخصة المزاولة المهنية في السعودية، وهذه بلا شك أزمة كبيرة لها أبعاد كثيرة تنعكس في النهاية على الهدف الأساسي، وهو سلامة المرضى.

بلا شك، ودون أدنى تفكير، فالممارس الصحي سواء كان طبيبا أو ممرضة، أو في أي تخصص آخر، يستحق بعد سنوات عجاف الحصول على الرخصة التي طالما حلم بها وتعب من أجلها. وفي المقابل، يحق للهيئة السعودية التدقيق والتمحيص لحماية المريض الذي قد يكون ابنك أو أختك أو أمك، من ضعف تأهيل بعض الممارسين.

بعد شهر من تبادل وتراشق الاتهامات والهاشتاقات التي لا نعلم من يَصُبُّ «الزيت» على نارها، هدأت العاصفة ورأينا بعض الأرقام التي قد تشخّص المشكلة وتأتي بالحل، إذ تشير الأرقام الصادرة من الهيئة السعودية للتخصصّات الصحية لنتائج اختبار الرخصة لمزاولة مهنة «الطب البشري» إلى وجود تفاوت كبير بين خريجي كليات الطب، إذ تصدرت جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز -فرع جدة- الترتيب بنسبة 97 %، وتلتها جامعة الملك سعود، ثم طيبة بنسبة نجاح 93 %، وتذيل القائمة الطويلة بعض كليات الطب الناشئة بنسبة لا تتعدى 60 %، حتى رأينا في قاع القائمة كليات طب تراوح بين 46 و55 % كنسبة نجاح.

وبنظرة سريعة إلى منتجات كليات الأسنان، نرى الأدهى والأمرّ من نسبة نجاح 100 % في جامعة الملك سعود بالرياض وجامعة نجران، وتهوي النسبة إلى تحت 60 % في كثير من الكليات «الخاصة» حتى تصل إلى 41 % «بما معناه هو رسوب 59 % من خريجي الكلية في اختبارات الهيئة».

وأخيرا وليس آخرا، فقد بقي التفاوت العجيب «الغريب» في نتائج التمريض بنسبة نجاح إلى 100 % في 6 كليات تمريضية وبسقوط مأساوي لـ7 كليات تمريضية حتى وصلنا إلى نسب نجاح متدنية تراوح بين 5 و26 % في بعض الكليات، حتى خُيّلَ إليَّ أنَّ التعليم في زيمبابوي وزائير وأدغال إفريقيا أفضل منا بمراحل.

كتبتُ كثيرا من المقالات عن التعليم الطبي السعودي، وجميعها كانت تتوقع هذه النهاية المأسوية في النتائج التي ضحيتها هو الممارس الصحي السعودي الذي تعب وسهر السنوات، ولكن من الجاني؟

بالتأكيد، الجاني ليست الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، الجاني هو تلك الكليات «الركيكة» التي لا تحسن اختيار طلابها ولا تعليمهم، التي تهدف إلى التكسب والتربح وذلك على حساب أبنائنا الطلاب وأهلنا المرضى، تلك الكليات الفاسدة مهنيا، وعلى وزارة التعليم العالي حل هذه المشكلة سريعا بالآتي:

1ـ إعادة تقييم بعض الجامعات والإغلاق النهائي لبعضها. 2- تحميل الجامعات والكليات الضعيفة رسوم وتكلفة اختبارات طلبتها وإعادة تأهيلهم. 3- فرض رقابة صارمة على الكليات الصحية الحكومية والخاصة. 4- استحداث منصب نائب وزير التعليم للتعليم الطبي لممارسة المراقبة والمتابعة، والتنسيق مع وزارة الصحة والمجلس الصحي السعودي، ووزارة العمل، لمستقبل السوق الصحي السعودي.

الأرقام السابقة مفصلية للأمن الطبي السعودي، بعيدا عن أسلوب «الطيران بالعجة»، وهو تكنيك عربي قديم يتخذه «العربان» لتحقيق مكاسب وقتية وصوتية دون التعمق في الموضوعات، وأصبحت هذه الموهبة «الطيرانية» سمةً مميزة لكثير من الكُتاب والمغردين لـ«الرقص» مع موجة معينة تحقق لهم مزيدا من الانتشار والريتويت، بالعزف على مشاعر الجمهور، متناسين أننا نتكلم عن خدمة طبية تتطلب معايير جودة عالية، بعيدا عن العواطف ودموع التماسيح.