قد يستغرب القارئ العزيز من العنوان، خصوصا أني أكاديمي، وأنا من كبار المؤيدين لاستقلالية الجامعات، خصوصا أن الاستقلالية تعطي الحرية، وتنشر روح الإبداع والابتكار، وهذا هو العرف العام المنتشر عالميا، لكن -وأؤكد على كلمة «لكن»- لا يمكن تطبيق ذلك في بلدنا في الظروف الحالية!
الآن، حال بعض الجامعات السعودية بكل صراحة سيئ، وهي لديها شبه استقلالية، أصبحت بعض الكليات والإدارات شبه عزب شخصية، بعض المسؤولين فيها يوظفون أقاربهم ومن يعز عليهم ومن يدور في فلكهم ومن يتفق معهم، فما بالكم إذا أخذت الجامعات استقلاليتها الكاملة!
فالآن، على الأقل بعض الأقسام في الجامعات تخشى أو تستحي قليلا من الوزارة، لكن بعد الاستقلالية ربما يصير الوضع على عينك يا تاجر!
البعض بكل طيبة أو مثالية زائدة، يقول ستنشئ مجالس أمناء لإدارة الجامعة، وكأن مجالس الأمناء لدينا ستحل الموضوع وستكون رقيبا على الجامعة، بل على العكس فربما يصير الوضع أسوأ، وتصبح بعض الجامعات شبه مخصصة لإدارة الجامعة ولمن يعز على مجلس الأمناء ونرجع إلى الروتين القديم «شد لي واقطع لك!».
صحيح أن هناك حملة كبرى على الفساد المالي في البلد، لكن يجب ألا ننسى أن هناك فسادا إداريا ينخر في العظم، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، إضافة إلى أن بعض المسؤولين في الجامعات السعودية يفتقدون الكفاءة والإستراتيجية وبُعد النظر، وهذا واضح خلال المقابلات مع بعضهم أو حتى من تصرفات البعض.
وللأسف، رغم أن الجميع يضع شعار -رؤية 2030- إلا أن الكثير لا يطبقها، ولم نشهد تغييرات جذرية كبرى في إدارات الجامعات، كما حدث في بقية إدارة الدولة، فكثير من مديري الجامعات مكانك سر.
دائما ما أشبّه الحرية والاستقلالية، بالسيارة الجميلة السريعة مثل الفيراري، لكن تحتاج إلى طرق معبدة ناعمة كي تمشي وتستمتع بها، لكن إذا وجدت رمالا ومطبات فأنت تحتاج إلى سيارة دفع رباعي كي تجتاز العقبات، حتى لو كان شكل السيارة ليس جميلا مثل الفيراري، وهذا ما يحدث الآن في استقلالية الجامعات، هو مبدأ جميل جذاب عالمي، لكن الظروف الآن غير مهيأة لاستقلالية الجامعات، ما زلنا نحتاج إلى سيارة الدفع الرباعي التي تمهد الطريق، وتجتاح عقبات البيروقراطية والواسطة والفساد الإداري.
مشكلة البعض، أنه يأتي بالطرق والأساليب العالمية ويحاول تطبيقها لدينا، دون عمل تكييف وتحوير لتناسب البيئة المحلية، أو ربما لا تناسب البيئة المحلية إطلاقا رغم جمال الفكرة، فلكل مجتمع خصوصيات معينة رغم انتشار مبدأ العالمية، أنا أتمنى أن أضع رفوف كتب في محطات انتظار الباصات كما في بعض الدول، لكن أعرف أن الوضع الحالي والمجتمع لا يساعد، ولن تكون فكرة جيدة.
ما زلت أرى أن الوزارة يجب أن يكون لها دور أكبر في مراقبة الجامعات، حاليا على الأقل، ولا أرى مانعا من إيجاد لجنة أو إدارة عليا لمراقبة أداء الجامعات السعودية، نحتاج جهة مستقلة خارج الجامعات لتقييم أداء ومحاسبة الجامعات وإلا سيتدهور الوضع.
نحتاج إلى عشر سنوات قادمة كي نعطي استقلالا كامل للجامعات، كما هو مقترح حاليا، وأنه خلال السنوات القادمة يتم تهيئة الجامعات السعودية خلال التغييرات الجذرية بالأنظمة والعقليات والأفراد، وبعدها تكون الجامعات مهيئة للاستقلالية، وعندها تُعطَى الاستقلالية كما هو معمول به عالميا.