يقول «رومان لوباتو» الباحث في جامعة «ملبورن»، إن هناك أُمما كاملة وشعوبا وحضارات برمّتها تثقفت وتعلمت عن طريق تناقل محتويات الكتب دون تنظيم تشريعي، إضافة إلى ترويج الأفكار والنظريات والابتكارات دون إذن أصحابها.
أميركا التي تعد من أوائل دول العالم في تشريع قوانين ملكية فكرية، لم تولِ اهتماما رسميا لإشكال سرقة الأفكار، بما في ذلك الأفكار النظرية والاجتماعية والإعلامية، إلا في أواخر القرن التاسع عشر، تحديدا عام 1891.
وبالتالي، فإن التاريخ يخبرنا أن تجارة كثير من المحتويات التي يعد كثير منها إعلاميا، تأتي على شكلين: قانوني وغير قانوني.
والقرصنة غير القانونية تحديدا، ظلت مصطلحا مرنا أحيانا يسع ليشمل المنتج وما شابهه أو قاربه أو اقتبسه أو حاكاه، وأحيانا ينكمش ويصبح مقصورا على النسخ الفعلي المطابق للمنتج الأصلي.
اليوم، في هذا العصر، فإن أحد أشكال سرقة الملكية الفكرية المتداولة هو قرصنة الأفلام، وعادة عندما يتم طرح هذه القضية يقتصر النظر على الخسائر المالية التي تتكبدها شركات السينما والإنتاج، بسبب قرصنة وتسريب الأفلام عبر الإنترنت، ليتابعها المهتمون دون تكاليف ودون شراء تذاكر أو توفير أي مقابل، أو في أقل الحالات ضررا يتابعونها عبر المواقع الرسمية مثل «نيتفلكس» و«ابل ايتونس» بمبالغ رمزية شهرية.
اليوم، أود الكشف عن جانب آخر وجديد، ولم يُتَطرق إليه بحثيا بشكل وافر، وهو الجانب الإيجابي في قرصنة الأفلام عبر الإنترنت، أو بثها رقميا بمبالغ رمزية جدا.
يقال، إن «بوليود» الهندية لم تكن لتحظى وتتبوأ هذه المكانة العالمية، لولا تسريب وقرصنة منتجاتها في أجزاء أخرى من العالم، مما عرّف الناس بها ومنحها شهرة وشعبية واسما معروفا.
ويقال، إنه حتى لو كانت هناك أضرار مالية واقتصادية للقرصنة، فإن عولمة المنتج السينمائي وتأثيره الثقافي يصل إلى المتلقين.
ويقال، إن أولئك المتهمين بقرصنة الأفلام واستهلاك أفلام مقرصنة، هم أيضا ممن يرتادون دور السينما الرسمية بشكل دوري ومتكرر، وممن لديهم الدافعية الأكبر لتخصيص مال وإنفاقه على الأفلام التي يتم استهلاكها بشكل قانوني.
ويقال كذلك، إن قرصنة الأفلام وبثها عبر الإنترنت متلازمة صحية للعرض المسرحي أو السينمائي القانوني.
ويقال، إن العرض عبر الإنترنت لا يسلب السينما مكانتها الاجتماعية، كمكان رمزيته لدى الناس تتمحور في أنه مكان يترافق فيه المحبون والمقربون لمشاركة تجربة مشاهدة الفيلم.
لا أشجع قرصنة الأفلام، خصوصا الأفلام السعودية التي للتو بدأت بوادرها تتضح كصناعة ناشئة، بالتزامن مع الرؤية الوطنية، ولكنني أشجع المسؤول على غض البصر عن الفيلم الذي يتم تسريبه لمتلقين أجانب، حظي بينهم بشعبية عالية، وإذا كان قد يدفعهم إلى القدوم والاستهلاك الرسمي لمنتجاتنا السينمائية، وبشكل دوري.
صناعتنا السينمائية التي أظنها قادمة لفضاءات السينما العالمية بشكل يليق بنا، بإذن الله، ستواجه إشكالات قرصنة مثلها مثل «هوليود» و«بوليود» و«نوليود» وغير ذلك من الصناعات، ولكن ينبغي علينا الاستعداد لذلك عبر فهم أبعاد القرصنة السلبية، وكذلك الإيجابية، والتعامل معها بذكاء.
هناك صناعات سينمائية تدمرت بسبب تعاملها غير المدروس مع المقرصنين والقرصنة، وهناك صناعات جعلت القرصنة سببا في ازدهارها وشهرتها ونجاحها.
باختصار، قرصنة الأفلام عقبة ينجح البعض في اعتلائها والاحتفاء، بينما في المقابل قد تتسبب في إيقاف البعض أو إبطاء مسيرتهم.