أفرزت العقود الخمسة الأخيرة في العالمين العربي والإسلامي من مصطلحات التصنيف أضعاف كل تلك المتوالدة في ألف عام خلت. وحين قلت ما قبل الأمس في تغريدة قصيرة من أنه «في مواجهة أعداء السعودية المتجددة سندخل في دهاليز مصطلحات تصنيف لا تخطر على باب لغوي، وفيها ستكون تسميات مثل علماني أو ليبرالي أو جامي من متحف التاريخ اللغوي الناعم». هي موجات من صراع المدارس الفكرية تندثر الواحدة منها حين تتدثر بها الأخرى. منتصف القرن الماضي كانت حركات اليسار والاشتراكية العربية تظن أنها الحصان الأسود للمستقبل العربي ضد رواسخ ما كان من تاريخ.
وعلى أكتاف أدبياتها الهشة تكاثرت مصطلحات القومية العربية من الناصرية إلى البعث العربي. وفي جنازة جمال عبدالناصر قيل إن خمسة عشر مليون مصري وعربي خرجوا خلف الجنازة في شوارع القاهرة. ولكن وفي جولة الاقتراع الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية للعام 2012 حل المرشح الناصري في المركز التاسع بحصاد فقير حد الدهشة. هنا مات «الشيوعي الأخير»، وقد بلغ المجتمع السعودي من يقين موت الفكرة الشيوعية إلى الحد الذي كان فيه صالح المنصور، رحمه الله، يوزع كتابه علناً داخل المنتديات والمؤتمرات والمعارض الثقافية. عدت من بعثتي الدراسية وكانت مدينتي الصغيرة في صراع كسر عظم ما بين الأصولية وقلة صاعدة من أرباب الحداثة. وعشت فيما بعد حتى سمعت مناهضي مصطلح الحداثة يقبلون بجذر الكلمة مع تعديل طفيف وهم يقولون بقبول «التحديث» بدلاً من الحداثة. اليوم لم نعد نسمع أحداً يقول إن ذاك حداثي. دخلنا من بعدها إلى تصنيفات بني ليبرال في مقابل كتائب مصطلح الصحوة، ثم بعدها مزج الليبرالية مع العلمانية رغم فوارق المصطلحين، وولد من رحمهما مصطلح «التغريبون» في مرحلة لاحقة. وحتما ستذوب كل المصطلحات الواردة بعاليه طالما كان بيننا فقهاء لغة. هذه هي الطبيعة البشرية مع صراع المدارس.