يترقب المجتمع اليمني نتائج الجهود الحثيثة التي يبذلها المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، ومساعيه لاستئناف الحوار بين الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، والمتمردين الحوثيين. وإن كانت مشاعر التشاؤم تطغى على معظم المراقبين والمتابعين من النتائج، عطفا على التجارب السابقة التي أبدى فيها الانقلابيون قدرا كبيرا من التعنت، وتعمدهم إفشال جولات الحوار السابقة التي شهدتها الكويت وجنيف، واتخاذهم لها سبيلا كهدنة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الصفوف، بعد الضربات التي وجهتها لهم في السابق قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني، بدعم من طائرات التحالف العربي لدعم الشرعية.
الجديد هذه المرة هو تمسك الحكومة اليمنية بمواصلة جهودها العسكرية، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت على أرض الميدان، وتقدمها على المتمردين، حتى في معقل التمرد في صعدة، حيث باتت قوات الشرعية تطرق أبواب محافظة مران، معقل عبدالملك الحوثي. هذا التزامن بين الجهد العسكري والمسعى السياسي أساسي ولا بد منه، لإرغام قادة الميليشيات على التعاطي الإيجابي مع المساعي الدولية الرامية إلى تحقيق سلام مستدام، حيث أثبت أتباع إيران أنهم لا يتجاوبون مع تلك المساعي إلا في حالة تضييق الخناق عليهم. لذلك فإن استمرار العمليات يصب في صالح تعزيز فرص الحل السياسي، وعدم السماح لأولئك القتلة باستمرار وجودهم العبثي الذي يشكل تهديدا بالغا للأمن القومي والسلم العالمي.
ويدرك المتابعون للشأن اليمني أن فلول الحوثيين تعيش أسوأ أيامها في الوقت الراهن، بسبب التقدم المطرد لقوات الشرعية في كل الجبهات، والضربات الساحقة التي توجهها للمتمردين، والتي توجت خلال الفترة الأخيرة بفتح ثلاث جبهات في محافظة صعدة، آخرها جبهة مران، التي شهدت تقدما ساحقا وهائلا بات يشير بوضوح إلى قرب تحقيق النصر الكبير، كما تتفاقم معاناة الانقلابيين بسبب العمليات التي تشهدها جبهة الساحل الغربي، في محافظة الحديدة، وتشديد الرقابة على السواحل اليمنية، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية، وتجلت أوضح صور المعاناة الحوثية في عملياتها الأخيرة اليائسة بمحاولة إطلاق عدة صواريخ باليستية على مدن المملكة، رغم إدراكهم استحالة تحقيقها أهدافها، بسبب منظومة الدفاع الجوي المتقدمة التي تمتلكها السعودية، والتي حتما لن تسمح بذلك، لكنها محاولات يرمى الحوثيون من ورائها إلى خداع أتباعهم البسطاء، ورفع روحهم المعنوية المنهارة، وإيهامهم بأن الصواريخ أصابت أهدافها. ورغم استمرار التقدم، إلا أن الحكومة والتحالف تجاوبوا مع الجهود الدولية لسبب واحد هو الرغبة في وضع حد للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، والتي يدفع ثمنها النساء والأطفال.
وحسنا فعلت حكومة الرئيس هادي بذلك الموقف، وإصرارها على تسريع العمليات العسكرية، مع التزامها بالتجاوب مع جهود المبعوث الدولي، حتى لا تفقد ما حققته على أرض الواقع، حيث كانت كثير من المنظمات الأممية تزيد من وتيرة دعواتها لتفعيل المفاوضات، وذلك مع كل تقدم لقوات الشرعية على الأرض، وهو ما زاد من التساؤلات حول ما إذا كانت تلك الدعوات تمثل تواطؤا مع المتمردين أم لا، وسواء كان هناك تعمد أو لا، فإن الثابت هو أن عصابات الحوثي استفادت من ذلك التزامن المريب، وتمكنت من إعادة تنظيم صفوفها مرات أخرى، وتلقت دعما عسكريا من النظام الإيراني، الذي دأب على تهريب الأسلحة لأذرعه في اليمن، دون خوف من المجتمع الدولي. ومن صور التعنت الذي أبداه المتمردون في جولات الحوار السابقة -لا سيما في مؤتمر الكويت- الخلافات التي تفشت بين وفد الحوثيين ووفد حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وبعد مقتل الأخير فإن الحوثيين مطالبون بإعلان موقفهم بوضوح من الرغبة في إيجاد حل سلمي والتحول إلى حزب سياسي، أو استمرار المواجهة العسكرية التي لن تكون حتما في صالحهم.
المطلوب الآن من المبعوث الجديد -إذا كان حقا يريد تحقيق النجاح- هو أن يتجنب العثرات والأخطاء التي وقع فيها سلفه الأسبق، جمال بن عمر، والسابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وفي مقدمتها التهاون مع الميليشيات الحوثية، والتعامل معها بمرونة، ويتوجب عليه استعادة هيبة المنظمة الدولية التي ينتمي إليها، عبر التمسك بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ومقررات المبادرة الخليجية، وكل هذه المرجعيات الثلاث تؤكد بوضوح على حتمية انسحاب الميليشيات إلى مناطقها التي كانت عليها قبل اقتحام صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة للجيش الوطني، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. ووقف التعامل معها على أنها سلطة أمر واقع، وهي ثوابت أساسية لا بد من التمسك بها، ووضع المجتمع الدولي في الصورة، وعدم التردد في إعلان هوية الطرف الذي يتسبب في استمرار الأزمة.
لذلك فإن الطريق واضح أمام غريفيث والمجتمع الدولي، إما الانحياز إلى الشرعية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بعودة الحكومة المنتخبة، والضغط على الطرف الذي تسبب في الأزمة، أو الاستمرار في محاولات إمساك العصا من الوسط، وهي سياسة أثبتت فشلها، لم تسفر عن شيء سوى استمرار معاناة اليمنيين، وحينها لن يكون أمام التحالف العربي وحكومة الرئيس هادي من حل سوى الاستمرار في عملياتها العسكرية. فالمملكة وحلفاؤها لن يسمحوا بوجود ميليشيات إيرانية في المنطقة، يمكن أن يسمح بوجود نسخة أخرى من حزب الشيطان.