أتت زيارات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، حفظه الله، إلى المملكة المتحدة، وقبلها حيث كانت وجهته الأولى خارج البلاد منذ تسلم مهامه وليا للعهد إلى دولة مصر الشقيقة، وزيارته الحالية للولايات المتحدة الأميركية؛ في إطار تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع تلك الدول، ومن أجل خلق إطار جديد ومستمر من التعاون البنّاء والمثمر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والصناعية، وفي كل مجال من شأنه أن يؤكد العلاقات القوية، التي هي في الأصل قائمة منذ عقود طويلة بين دولنا، ومن أجل الإسهام في تجديد القاعدة المتينة والدائمة في مسيرة المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة بين بلادنا وتلك الدول، وفق العلاقات الإستراتيجية المتطورة دوما، وكذلك أيضا من أجل ترجمة الجهود لمكافحة الإرهاب المهّدد الأول للأمن والاستقرار والسلام لمنطقتنا العربية، وللعالم أجمع، وتوحيد الرؤى تجاه سياسات إيران الهمجية، وتوضيح ما يجب فعله تجاه ممارساتها ذات النزعة العدائية، ولا يجب الاكتفاء بالتفرج على عصابة من أصحاب العمائم، وهم يمارسون الفوضى التي ستعصف بأمن بلداننا واستقرارها.
حاليا سمو ولي العهد كما نعلم في أميركا، وكما هو مقرر ومخطط للزيارة، فقد زار سموه أكثر من ولاية، وسيعقد لقاءات مع أهم رجالات مجلس الشيوخ الأميركي ونوابه، ورجالات البيت الأبيض.
ومن المعلوم بحسب وكالات الأنباء المحلية والعالمية، أن سموه حمل الكثير من الملفات في زيارته لأميركا، من أجل فتحها ومناقشتها مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومن الجدير ذكره أن أهم وكالات وقنوات التلفزة العالمية والأميركية تحديدا، اهتمت بزيارة ولي العهد إلى أميركا، وأفردت لها كبريات الصحف هناك الصفحات وأبرزت العناوين الكبيرة للزيارة، وتناولت أهدافها بالتحليل عبر برامجها، في خطوة تؤكد حجم الحضور الكبير لبلادنا المتمثل في سموه الكريم، وما يحمله من آمال وتطلعات القيادة السعودية والشعب السعودي في سبيل تطوير العلاقات مع أميركا، ففي الزيارة تم حتى الآن تناول ملفات التعاون المشترك مع أميركا في جميع المجالات، وفي ضوء فتح بقية ملفات الزيارة، سيتم توقيع مذكرات تفاهم، وعقد الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية التي تشمل القطاعين الحكومي والخاص، بما قد يسهم في توليد مئات الآلاف من الوظائف في البلدين، وتوطينها بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، وبما يعكس حجم الشراكة بين البلدين، مع تنامي فرص الاستثمارات بين البلدين، علما بأن الحديث عن حجم الاتفاقيات الاقتصادية قد يصل إلى 400 مليار دولار.
كذلك ستشهد الزيارة توقيع عقود اتفاقيات سياسية وصناعية، وصفقات عسكرية، واتفاقيات علمية، كالتي جرى توقيعها مع أعرق الجامعات الأميركية في مجالات البحث والتقنية، لإنشاء شبكات من التعاون معها في إقامة شراكات علمية، للمضي قدما نحو ترسيخ الاقتصاد المعرفي، وقد تم ذلك بعيد لقاء سموه مع رؤساء أشهر الجامعات في أميركا، إضافة إلى عقد صفقات لشراء ما يلزم قواتنا الأمنية من الأسلحة المتطورة، التي تم استعراض جانب منها في لقاء سموه مع الرئيس الأميركي في أول أيام الزيارة، بما يعزز أمننا القومي والإقليمي، وهو حق مشروع لنا في تدعيم جوانب الأمن لبلدنا على صعيديه الداخلي والخارجي، في منطقة تشهد صراعات متلاطمة.
أيضا هناك ملف إيران الذي تسعى من خلاله السعودية إلى كبح جماح سياسة العدوان والتوسع التي تنتهجها العصابة الخمينية في طهران، فليس سرا أن هناك تصميما سعوديا بالتعاون مع أميركا بعد التراخي الأوروبي تجاه إيران، من أجل العمل بكل قوة على الوقوف في وجه السياسات العدوانية لملالي إيران، ومن أجل إعادة تصحيح مسار الاتفاق النووي الإيراني، الذي وُقع في عهد الرئيس أوباما، فقد اتّضح للعالم بما لا يدع للشك مكانا أن إيران تقف خلف كل الصراعات في المنطقة، وتدعم الفوضى في سورية ولبنان واليمن والعراق، وتزود الميليشيات والمنظمات الإرهابية في المنطقة لإحداث مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار فيها، كدعمها للحوثيين بالصواريخ الباليستية التي تستهدف مدننا، كما حدث مؤخرا، عبر تهريبها إلى الأراضي اليمنية، ودعمها اللامحدود لمنظمة حزب الله اللبناني الإرهابي، ولعل تصريح سموه لقناة CBS الأميركية التي تتمتع بمصداقية وقبول في الشارع الأميركي كان واضحا في تحديد الخطوط العريضة لسياسة المملكة بلا رتوش، كان من بينها ما ذكره سموه بلغة حاسمة لا تقبل التأويل، أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي حتى ترى إيران تمتلك قنبلتها النووية، ففي حينها لن تتردد بلادنا في امتلاكها فورا، نقطة ومن أول السطر.
بقي لي أن أتوقف معكم عند ملمح أسرني كثيرا، ومن المؤكد أنه لم يفت على عين كل سعودي مخلص أن ترقبه بسرور، وهي ترصد ذلك الاحتفاء بسمو ولي العهد في المحطات الثلاث، وهو احتفاء ينم عن التقدير الكبير للقيادة السياسية لبلدنا، التي يقودها الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمده الله بعونه ونصره، وللشعب الوفي لوطنه، وتقدير يعكس الموقع المتميز لبلادنا، وما تحظى به من احترام في العالمين العربي والإسلامي، وفي العالم أجمع، وما تشّكله من ثقل مشهود في موازين السياسة والاقتصاد في العالم، وما تلعبه من دور كبير في تكريس عوامل السلام والاستقرار في منطقتنا العربية، عبر جهود أبنائها في ميدان مكافحة الإرهاب، الإرهاب الذي يجد دعما من قوى تحالف الشر وعلى رأسها إيران، ولموقعها الديني باحتضانها أقدس البقاع عند المسلمين، ولعل كل عربي مخلص سرّه ذلك التقدير الذي لقيه سموه. اللهم احفظ لبلدنا أمنه وقيادته وشعبه.