الجهات الأمنية في جميع دول العالم تقوم بدورها في الرصد والمتابعة والمعالجة، لكن الأمر لدى رئاسة أمن الدولة في بلادنا السعودية يزيد دورا آخرا مهما، وهو التوعية، ولكن بشكل احترافي إبداعي، يفوق - في نظري- ما تقوم به كثير من الجهات الدعوية والتعليمية والإعلامية، مع التقدير لكل جهد نافع من أي جهة.
وقبل أيام ألقى المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة اللواء بسام عطية محاضرة نوعية في جامعة حائل حضرها وتفاعل معها أعداد غفيرة من الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس، ومع أن المحاضرة والمداخلات تجاوزت ساعتين، إلا أنها كانت جاذبة جدا، لم يشعر أحد بمرور الوقت، كانت جاذبة من جهة دقة المعلومات ونوعيتها وتسلسلها وترابطها، ومن جهة وسائل العرض من الصور والأرقام والأحداث والتي أُعدت بصورة مهنية فائقة، ومن جهة المحاضر ومخزونه الثقافي والفكري، وتمكنه من إيصال الرسالة التي يحملها بكل اقتدار وكفاءة، مما كان له أعظم الأثر في ترسيخ التكامل في استشعار المسؤولية.
لا أستطيع في مقال أن ألخص ما جاء في المحاضرة لاسيما أن كل ما فيها مهم، وما تحمله شريحة واحدة من الشرائح المعروضة يحتاج عشرات الصفحات، ولكني أتمنى مواصلة هذه الفعاليات، فهي عندما تصدر من خبير يملك المعلومة الصحيحة، ويعلم أصل نشوء الأفكار، وسبب نشأتها، وأهدافها، وينظر إلى المشهد بكل تفاصيله، فإنه حتما ليس كمن يعلم بعض الحقيقة، ويجهل ما يبطل ذلك البعض الذي يعلمه، فما لم تكن الحقيقة كاملة في ذهن المتكلم، فإن نتائج ما يتحدث به ستكون ضارة، ولهذا فالخبير بحق في أي أمر من الأمور تكون معلوماته صحيحة ونافعة، لأنه يعرف المعلومة الصحيحة، ويعرف متى يقولها، ولديه فقه في المآلات، وقد قال الله تعالى (ولا ينبئك مثل خبير)، وما كل من وصف نفسه (بالخبير الإستراتيجي أو الخبير في الجماعات المتطرفة ونحوهما من المسميات) يصدق عليه هذا الوصف، بل ربما يكون بينه وبين هذا الوصف أمد بعيد، فالعبرة بالحقائق لا الدعاوى، ولو سكت من لا يعلم لانتفع الناس، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، ولم يتكلم فيما لا يحسن، فأرجو لهذه الحوارات والمحاضرات الإبداعية تواصلا مستمرا مع طلاب الجامعات، وأشكر معالي رئيس أمن الدولة الذي لم يكتف بالإنجازات الأمنية التي نفاخر بها العالم، بل أضاف إليها إنجازات توعوية، اختار لها أبرز الكفاءات المؤهلة، والمأمول من كل مواطن ومقيم في بلادنا أن يستشعر أن جهاز الأمن إنما وُجد لأمنه وأمن أسرته ومجتمعه، فليكن متعاونا في كل ما يحقق الأمن، فلا حياة مطمئنة بدون أمن، والأدلة النقلية والعقلية الدالة على هذه الحقيقة كثيرة ومعلومة، فالأمن كالهواء، فهل يستطيع أحدٌ أن يعيش بلا هواء يتنفس من خلاله؟ وليعلم الجميع أن القضايا الإرهابية اليوم - كما يقول اللواء بسام- هي حرب أفكار، ودائماً هناك جديد في الأفكار الإرهابية، وأما القضية الإيديولوجية فليست مجرد فكرة، بل كتلة صماء لا تسمح بالتجزئة ولا التوقف، هي فقط تسحب أتباعها كما يُسحب القطيع، وعند التغيرات في أي بيئة في العالم تحدث تغيرات في الخريطة السياسية، كما نرى من حالات الهجرة والتوطين، وحروب الجيل الرابع التي تقوم عليها الدول المعادية، ذلك أن أكبر أثر حروب الجيل الرابع على الأمن يتمثل في: شق الصف، والفتنة الطائفية، وصناعة الإحباط، كما رأينا في ما حدث في بعض الدول العربية بما يسمى (الثورات)، وبحمد الله فإن المملكة العربية السعودية دولة مؤثرة عالمياً، في الداخل والخارج، لذلك عند اتخاذ قرار في المملكة فإن تأثيره يكون محليا وإقليميا وعالميا، وهي حقيقة تؤكد أن أمنها مؤثر وحيوي، ومن يمتلك المعرفة يمتلك القوة، والمملكة العربية السعودية تملك المعرفة وتملك القوة، وهذا من توفيق الله وفضله.