فيما تتميز زيارات سمو الأمير محمد بن سلمان إلى البلاد العربية والغربية بلا استثناء باستلهام التطور واستحثاثه في جميع النطاقات.

 تتسم زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية بالإيجابية والتميز المعهودين عن العلاقات السعودية الأميركية، حيث تتصف هذه العلاقات بالمتانة والقوة من خلال التبادلات على مستوى القادة والعسكريين والسياسيين والمدنيين على حد سواء، وينتج في الغالب عن مثل هذه التبادلات الإيجابية اتفاقيات ثنائية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والثقافي وما إلى ذلك، كما تحفظ على الدوام وتستعرض أبرز الملفات التي تهم المنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم أجمع.

ومن الجدير بالذكر أن زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الأميركية تتوافق مع أُطر رؤية 2030 التي تشكل نقلة نوعية في حاضر ومستقبل المملكة العربية السعودية.

فيما يلي بعض الأبعاد لأبرز التصريحات والمحطات في زيارة ولي العهد لواشنطن. يعكس تصريح ولي العهد لواشنطن بوست بأن الإسلام عقلاني ومعتدل صورة إيجابية لا مثيل لها بدحض الصور النمطية المتوارثة منذ القدم عن الإسلام والمسلمين، وعلى وجه الخصوص تلك الادعاءات السلبية تجاه الملكة العربية السعودية (مهد الإسلام)، كما يتوافق تصريح ولي العهد السعودي مع نِتاج القمة العربية الإسلامية الأميركية المنعقدة بالرياض العام المنصرم عند إطلاق مركز عالمي فريد لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، ومن هنا يبرز لنا الدور الريادي والحيوي الذي تلعبه المملكة في تعزيز مبدأ السلام والأمن والأمان على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 إنه لمن المتوقع أن يكون لجدلية الحرب والسلام نصيب متوقع خلال اللقاءات فيما تتوافق كل من المملكة والولايات المتحدة الأميركية في وجهات النظر حول النوايا الإيرانية. وتتميز المملكة بسياساتها (الداخلية والخارجية) ذات النهج العلمي والواقعي المستند على أسس راسخة، فتتلخص السياسة الخارجية للمملكة في:

 -1 المحافظة على السيادة والوطنية والاستقلال.

 -2 المشاركة الحيوية في تأصيل دعائم الأمن والسلام على المستوى الدولي.

3 - تفعيل مبدأ التضامن الإسلامي والعربي والدفاع عن أهم القضايا في الاجتماعات الدولية، وتقديم جميع أنواع الدعم لتحقيق هذه الغاية.

 فالبعض يؤمن بالسلام المثالي والمطلق، وأن ذلك ليجرد السلام من مضامينه السياسية، فمن هذا النسق يتجلى السلام البراجماتي (pragmatic peace) الذي يستند إلى جوهر الطبائع الإنسانية الكامنة من خلال استقراء الأحداث التاريخية منذ قديم الأزمان، فيجدر بنا القول بأن السلام هو نتاج فن السياسة (La paix est un produit de l›art politique)، فعندما تتعلق الأمور بالمصالح الأساسية والأمن القومي التي –لا مجال للتضحية بها- يأتي دور السياسة بمكوناتها التكاملية وهي الدبلوماسية (فن الإقناع) والإستراتيجية (فن الإكراه)، حيث يصب كل منهما في تحقيق المصلحة الوطنية.

في هذا الصدد تبرز إشكالية القوة في العلاقات بين الدول وكيفية إدارة هذه القوة كما تظهر معضلة الأمن ذي العلاقة الطردية مع القوة، حيث تسعى جميع الدول بلا استثناء إلى زيادة قواها بهدف زيادة الأمن، بالإضافة إلى أن تنويع القوى ينعكس إيجابا على تنوع الأبعاد الأمنية كالأمن العسكري والاقتصادي...إلخ.

بالعودة إلى ما جاء في تصريح ولي العهد السعودي عن امتلاك المملكة العربية السعودية نسبة 5%‏ من احتياطي اليورانيوم في العالم، والذي لابد من استغلاله، يتجلى المنحى الاقتصادي الذي يحمل في طياته أبعاد أكثر بكثير من تنويع الطاقة والصناعات في المملكة، فمثل هذه النواحي تعود بالفائدة تباعاً على أبناء الوطن ذوي الخبرة في ذات الاختصاص، ومثال حي على ذلك كلية الهندسة النووية بجامعة المؤسس منذ عام 1394، والتي تعنى بالهندسة النووية وهندسة الوقاية الإشعاعية وهندسة الفيزياء الطبية، إنه لمن الجميل أن نرى مثل هذه الكوادر تعمل لأجل الوطن على أرض الوطن في ظل تعاظم ظاهرة هجرة العقول (نزيف الأدمغة)، وتزايد أعداد الخريجين عاماً تلو الآخر، فهذه الصناعات من شأنها خلق فرص وظيفية جديدة وعظيمة في آن واحد، إضافة إلى دعم مجالات البحث العلمي والدراسات والاستشارات والتدريب، مما يجتذب لأرض هذا الوطن العقول النيرة، ويتيح لها فرصا لا مثيل لها في شتى المجالات لتلحق بركب الدول العظمى، وتضحى قطبا فكريا واقتصاديا وسياسيا.